الفساد التعليمي في فلسطين : جيل بلا هوية

 

تقرير طارق حجاج
يبلغ أكرم من العمر 9 سنوات وهو طالب في الصف الرابع في إحدى المدارس في قطاع غزة، يستطيع أن يقرأ الدرس حتى لو أغلقت الكتاب فإنه سيتابع دون خطأ يذكر! لا يعرف أكرم كيف يكتب اسمه مع أن والدته تعمل مدرسة.

عندما سألت أكرم ما هي عاصمة فلسطين قال معبر رفح.

أثبتت الدراسات والأبحاث أن الشعب الفلسطيني هو الأكثر نسبة لحاملين الشهادات العليا في الشرق الأوسط رغم ذلك فهو من أقل شعوب المنطقة وعياً وثقافةً وحتى إن تكلمنا عن الشهادات العليا فإنها حقيقةً مجرد أوراق ليس لها أي فعالية أو تأثير.

فهل هناك تقدير حقيقي واحترام للعلم في مجتمعنا؟

تعتبر المدرسة المؤسسة التعليمية الثانية التي يمر بها الطفل في أي مجتمع، فالبيت دائما هو المحطة الأولى لزرع الأخلاق والنوايا الحسنة والفكر السليم وتوجيه الطفل وتوضيح الطرق المتاحة لمستقبله حتى يستطيع أن يختار حياته ومهنته بحسب ميوله واهتماماته.

وبغض النظر عن أن البيت –غالبا- لا يقوم بواجبه مع الأطفال في مناطق متفرقة من قطاع غزة خصوصا الأماكن الشعبية والتي تشكل النسبة الكبرى من القطاع، يكون الشارع هو بيت الطفل دون أدنى اهتمام من الوالدين بل ربما يكون أكثر راحة لهم نتيجة للكثافة السكانية في البيت والتي قد تبلغ 10-13 فرداً من نفس الأم والأب.

هنا يأتي دور المدرسة في توجيه وقيادة الجيل الناشئ وحمايته من الضياع، لكنها وللأسف تكمل طريق الشارع من الضياع والانحراف. فأكرم ليس حالة شاذة في تلك المدرسة بل هو مثالاً للطلبة في سِنه، وهو لا يُلام على الإطلاق لأنه في أمس الحاجة للتوجيه وللتعليم، بل الطرف الذي يجب أن يلقى عليه اللوم كله هو ذاك المدرس الذي يحمل عصاه ذهابا وإيابا بين التلاميذ - والذي نفسه يؤمن بأن الضرب بكل أشكاله هو أساس التعليم- قارءاً الدرس أكثر من عشر مرات وطالباً من التلاميذ إعادة التسميع دون أن يكتب حرفاَ على الصبورة.

لذلك فإن الأطفال منذ دخولهم للمدرسة وحتى اجتياز الثانوية العامة لا يشعرون بطعم العلم ولا أهميته في الحياة العملية. بالنسبة لهم فإن المناهج التعليمية مجرد مواد يجب اجتيازها سواءً بحفظها أو بفهمها وبالطبع بمجرد الخروج من الامتحان كأن المادة لم تكن ولا يبقى لها أي تأثير.

هناك دور لوزارة التربية والتعليم لأنها لا تتابع المناهج المقررة، فالمناهج جامدة وصماء ولا تخدم الحياة العملية على الإطلاق ولا يستفاد منها في أي من نواحي الحياة.

في الدول المتقدمة مثلا يوجد بجانب المواد التعليمية مواد للتوعية الاجتماعية والثقافية والجنسية، أما في مجتمعنا فعندما تطورت المناهج تطورت للأردئ وركزت على المحتوى الكمي أكثر من المحتوى الكيفي. فالمواد العلمية مثلا مجرد أرقام ومعادلات يجب على الطالب حفظها كما هي دون معرفة أصلها أحياناً. أما المواد الأدبية كالتاريخ مثلا فالمعلومات تسرد للطالب دون وجود أي شرح أو تحليل من المدرس لتنمية الجانب البحثي لدى الطالب.

علاوة على ذلك عدم وجود أي تخصص فلسفة في فلسطين على الرغم من أهميتها للآداب والتي تعتبر مثل أهمية الرياضيات للمواد العلمية.

لنبدأ من رأس الهرم... من الجامعة التي خرجت هذا المدرس بهذا المنهج والتفكير التعليمي الفاشل. فطالب الجامعة الذي بدورة سيكمل مسيرته ويصبح مدرساً، يرى أشكال الذل والمعاملة الساقطة من دكاترة الجامعات الذين بدورهم يعتقدون أنهم آلهة وأن الطلبة عبيداً لهم وعلى الطلبة الخضوع لرغباتهم لأنهم لن يتخرجوا إذا اعترضوا... بالإضافة إلى أن مناقشة الطالب للدكتور واعتراضه في الرأي معه يعني شيئاً واحداً فقط وهو رسوب الطالب.

سألت طالباً فضل عدم ذكر اسمه عن معاملة الدكاترة للطلاب فقال :"قمت بإضافة دكتور على الفيس بوك، وفي يوم كتب مقالا ونشره في أحد المواقع ولكنني قرأته وكنت مختلفاً معه في بعض النقاط. فكتبت رأيي في تعليق على صفحته وناقشني الدكتور ولم يستطع إقناعي لأني كنت أواجهه بكل نقطة يقولها وأثبت عكسها بكل احترام وتقدير، وأنا الأول على دفعتي ومعدلي التراكمي 86%، في نهاية الفصل كانت درجات الفصل كلها بتقدير امتياز ما عدا مادة الدكتور الذي ناقشته فقد رسبت".

دون أدنى شك سيتخرج الطالب الجامعي معبأً بالاحباط والخيبة والحقد إضافةً لاقتناعة بأن المدرس لا يُناقش لأنه لم ير نفسه شيئا مهما بالنسبة لأستاذه وبالطبع مدرسا بهذا الشكل لا يمكن أن يكون قد نصح أو وجه أو وسع نواحي الأدراك للطالب لما هو مقبل عليه بعد التخرج.

وهذا الطالب الذي تخرج لتوه محملا بكل هذه الثقافة الغريبة سيكون مدرساً للأطفال والشباب!!

وهنا يأتي دور المدرسة التي يقودها هؤلاء الطلبة الذين تخرجوا، وسرعان ما ينسون كيف كانوا يرون النظام التعليمي عندما كانوا طلابا وينخرطون في النظام التعليمي الذي لا يقدم ولا يؤخر ويصبحون جزءاً منه. بل إنهم غالباً ما يصبحون صورةً مصغرة من الأساتذة الذين كانوا يعانون منهم في الجامعات.

حلول ومقترحات لوزارة التربية والتعليم في قطاع غزة للنهوض بالمستوى التعليمي:

علينا أن نقر أولا بأن ليس كل معلماً يصلح لأن يكون مربياً للأجيال الناشئة، فالإعتراف بالمشكلة جزءاً كبيراً من حلها. نعم إن المدارس في قطاع غزة لديها اكتفاء في عدد المعلمين ولكن في المقابل لديها نقص شديد في المربيين.

وهنا يمكن للوزارة بأن تستقطب أصحاب الكفاءة من البلاد ومن خارجها إذا اقتضى الأمر لتدريب المدرسين كافة على كيفية معاملة الأطفال في المدارس الابتدائية والإعدادية على وجه التحديد وتأهيلهم لأن يكونوا مربيين أولاً بالإضافة إلى تدريبهم على كيفية ربط المواد التعليمية بالحياة العملية كي تبقى حاضرة دائما في ذهن الطالب في كل مناحي الحياة.

لماذا لا توجد أي قناة تلفزيونية خاصة بوزارة التربية والتعليم تصب كل تركيزها على تأسيس الطفل في البيت عن طريق البرامج التعليمية والترفيهية المناسبة لأعمار الأطفال دون ال6 سنوات بدلاً من القنوات العبثية كطيور الجنة وكراميش وغيرها التي تثبط الجوانب الابداعية في العقل حسب دراسة بريطانية والتي للأسف ادمنها أطفالنا.

لماذا لا توجد أي مواد في المناهج المقررة متخصصة بتأهيل الطالب لأن يكون قائداً مبدعاً قادراً على الإستفادة من أقل الامكانيات لكي يرقى به مجتمعه بجانب التربية الوطنية والمدنية.

بالنسبة للجامعات:

عندما يتخرج الطالب الجامعي في "السودان" فإنه يخضع مجبراً للخدمة في إحدى المنشئات الحكومية أو الخاصة لمدة عام كتأهيل وتدريب لدخول سوق العمل، على كل الأحوال فإن هذه الخطوة تعمل بالفعل على تأهيل الطالب الجامعي للدخول في سوق العمل بجانب الفائدة الكبيرة التي يقدمها لمجتمعه بدلا من أن يأخذ مكانا في صفوف الخريجين العاطلين عن العمل.

إن حاجة مؤسسات القطاع الخاص في غزة للطاقات البشرية ماسة وفي ازدياد دائم، فلماذا لا تقوم وزارة التربية والتعليم بالتنسيق مع هذه المؤسسات ومعرفة العجز لديها وتوجيه الطلاب لما يحتاجه المجتمع، هكذا وعندما يتخرجون سيجدون فرصة للعمل بدلا من التفكير في الهجرة والسفر فنكون قد كسبنا طاقة الشباب الفلسطيني بدلا من استهلاكها خارجا. فلا يوجد أي اتصال أو تنسيق ما بين الوزارة والمؤسسات الخاصة لمعرفة احتياجاتها.

لماذا لا يتم تفريغ الخريجين على المؤسسات في القطاع بشكل عام بالتنسيق بين الوزارة والمؤسسات الاخرى حتى وإن كان تدريباً ففي التدريب فرصة لأن يثبت الخريج كفائته.

نماذج اقليمية يمكن الاستفادة منها للنهوض بالمجتمع

تركيا-

جعلت تركيا الإنفاق على التعليم على رأس الميزانية التركية، ولذا تم تشييد المدارس وتطوير المناهج وتقليص عدد الطلاب في الفصول الدراسية، ودعم المعلمين وتأهيلهم والرقابة على أدائهم، كما تم تشجيع التعليم لدى الأسر ذات الدخل المحدود بصرف مكافآت عن كل طالب وطالبة يتم إرساله للدراسة.

خلال سنوات قليلة استطاع اردوغان ان ينهض بالمستوى التعليمي لتصل بلاده إلى القمة. دخلت ست جامعات تركية ضمن قائمة أفضل الجامعات على مستوى العالم لهذا العام وفق الترتيب الذي أصدرته مجلة التعليم البريطانية " Times Higher Education”.

وحصلت أربع جامعات تركية على مراكز مختلفة في قائمة أفضل 200 جامعة على مستوى العالم بينما حصلت جامعتين على مركزين في تصنيف أفضل 40 جامعة في العالم.

بالإضافة لذلك فإن تركيا الآن تعتبر أحد أهم مراكز الأبحاث في العالم ومن المتوقع خلال سنوات قليلة أن تكون من أقوى 10 دول في العالم في البحث العلمي.

 


loader
 
قـلوبنا معك غـزة