كيف يحدد المسلمون بداية شهر رمضان؟

 

 

يتحرى المعنيون والمختصون هلال شهر رمضان، مساء الثلاثاء، وتتجدد التساؤلات قبيل حلول شهر رمضان من كل عام، حول إمكانية توافق الدول الإسلامية والعربية بتحديد اليوم الأول للصيام، مع اختلاف الطرق بتحري هلال رمضان، ما بين الاعتماد على الرؤية بالعين المجردة، أو اللجوء إلى الحسابات الفلكية.

وهناك طريقتين لتحري هلال رمضان، الأولى تكتفي بالحسابات الفلكية، والثانية "الرؤية الشرعية" التي تعتمد العين المجردة أو من خلال "التلسكوب" البصري، سواء على أراضي الدولة أو البلدان الإسلامية الأخرى، فيما تشترط بعض الدول رؤية الهلال على أراضيها.

ووفق الحسابات الفلكية، فإن اليوم الأول من رمضان لهذا العام، سيكون يوم الخميس 18 حزيران/ يونيو الجاري، فقد بينت الحسابات الفلكية بحسب علماء الفلك أنّ القمر سيسبِق الشمس بغُروبه في أغلب الدول العربية، وهو ما يعني استحالة رؤيته بالعين المجردة أو التسلكوب، سواء من قبل المُترائين والفلكيين.

ويعدّ إثبات غرة رمضان معضلة، لعدم الاتفاق ما بين الدول في توحيد إثباته، الأمر الذي يؤدي إلى استياء الكثيرين.

أما من الناحية الشرعية، فقد أوضح علماء شرعيون في أكثر من مناسبة أنه لا يوجد ما يمنع شرعا رؤية الهلال والأخذ به عن طريق الحسابات الفلكية، التي تسندها الرؤية البصرية لتكون أكثر دقة.

ولفت علماء إلى أن أفضل أماكن رؤية الهلال تكون في الأراضي المرتفعة عن سطح البحر، المنبسطة في امتدادها.

طريقة ترائي الأهلة

وفيما يتعلق بطريقة ترائي الأهلة، فقد أوجزها البعض في مراحل عدة، تبدأ من مرحلة رصد حركة القمر في آخر أيام الشهر، لتحري رؤيته في الليلة التي تعلن فيها المحكمة العليا عن طلب التحري، ليذهب حينها الراؤون في مختلف أنحاء البلاد الإسلامية إلى الأماكن المرتفعة أو المنبسطة البعيدة عن التلوث الضوئي، ويقف الرائي شاخصا ببصره للسماء قبيل غروب الشمس ليتابع حركة الهلال حتى لحظة غروبه التي تستغرق دقائق معدودة.

ويقف خلف الرائي في لحظة الترائي مساعده الذي يطلق عليه (الميقاتي)، ومهمته تسجيل وقت مشاهدة الهلال عندما يلحظه الرائي، حيث تتطلب مهمة الرائي الإمعان في النظر باتجاه موقع الهلال وتحديد خط سير الكواكب في السماء، أثناء لحظة الغروب، ليتمكن من رصد الهلال.

وفي حالة ثبوت الرؤية، فإن الشاهد يلزمه (ميقاتي) ليكشف مدة الرؤية التي استغرقتها فترة تحري رؤية الهلال، بينما يصف كل راء، سواء في ورقة أو شفهيا ما رآه أمام القاضي، وفيما إذا شكل الهلال كان مستويا أو منتصبا أو منحرفا، ويضيف لها وقت الرصد، ثم ينظر القاضي في تطابق الرؤية من خلال الاطلاع على الشهادات، ومن ثم ترفع الشهادات من مكان الرصد للمحكمة العليا، التي تتولى إعلان بدء الشهر، كما يحصل في المملكة السعودية.

ويجب على الرائي أن يكون ملمّا بأشكال القمر، ويميز الخيط الرفيع للهلال عند رصده، لأنه توجد كواكب أخرى لها الشكل نفسه مثل: كوكب الزهرة، على الرغم من صغر حجمه، مما قد يلتبس على البعض فيعتقدون أنه الهلال، في حين بين أن الهلال في لحظة الرصد يتميز ببياضه الظاهر في حجم خيط السبحة.

الحساب الفلكي

يدور القمر حول الأرض مرة واحدة كل 29.5 يوما تقريبا كمتوسط، وأثناء دورانه هذا نراه بأطوار مختلفة: مبتدئا بالمحاق، ومرورا بالهلال المتزايد، ثم التربيع الأول والأحدب المتزايد، ثم البدر والأحدب المتناقص، ثم التربيع الثاني، ثم الهلال المتناقص، وعودة مرة أخرى إلى المحاق.

وفي كل يوم تشرق الشمس من جهة الشرق صباحا، وتغرب في جهة الغرب بعد حوالي 12 ساعة تقريبا، وكما أن الشمس تشرق وتغرب فالقمر أيضا يشرق ويغرب، ولكنه لا يشرق دائما ليلا ويغرب نهارا كما يعتقد الكثيرون.

فالقمر يشرق كل يوم في موعد يعتمد على طوره، فعندما يكون القمر محاقا فإنه يشرق مع الشمس ويغيب معها تقريبا.

وعندما يكون تربيعا أولا فإنه يشرق عند منتصف النهار ويغيب عند منتصف الليل تقريبا. أما عندما يكون بدرا فإنه يشرق مع غروب الشمس ويغرب مع شروق الشمس. وعندما يكون هلالا جديدا (متزايدا) فإنه يشرق بعد شروق الشمس بقليل ويغرب بعد غروب الشمس بقليل.

ولرؤية هلال الشهر الجديد في السماء الغربية، فإن الفلكيين يقومون بتحري الهلال في اليوم التاسع والعشرين من الشهر الهجري، ولا بد من توفر شرطين أساسيين تستحيل رؤية الهلال بغياب أحدهما:

أولا: أن يكون القمر قد وصل مرحلة المحاق (الاقتران) قبل غروب الشمس؛ لأن العلماء يبحثون عن الهلال، و هو مرحلة تلي المحاق، فإن لم يكن القمر قد وصل مرحلة المحاق فلا جدوى إذن من البحث عن الهلال.

ثانيا: أن يغرب القمر بعد غروب الشمس، لأن تحري الهلال يبدأ فور بداية اليوم الهجري الجديد عند غروب الشمس، فإذا كان القمر سيغيب أصلا قبل غروب الشمس أو معها؛ فهذا يعني أنه لا يوجد هلال في السماء نبحث عنه بعد الغروب.

فإذا لم يتوفر أحد الشرطين السابقين؛ فإن إمكانية رؤية الهلال تسمى "مستحيلة"، كما أعلن عنها الفلكيون من أن رؤية هلال شه رمضان مساء الثلاثاء مستحيل.

ولكن حدوث الاقتران قبل غروب الشمس وغروب القمر بعد غروب الشمس غير كاف حتى تصبح رؤية الهلال ممكنة؛ فهل يمكن رؤية الهلال إذا غرب بعد دقائق معدودة من غروب الشمس مثلا؟ الفلكيون قالوا لا، وذلك لأسباب عدة.

ومن هذه الأسباب، منها: أولا: غروب القمر بعد فترة وجيزة جدا من غروب الشمس يعني أنه ما زال قريبا من قرص الشمس، وأن طور المحاق (الاقتران) قد حدث قبل فترة قصيرة من غروب الشمس، فعند الغروب لم يكن القمر قد ابتعد ظاهريا في السماء مسافة كافية عن الشمس حتى تبدأ حافته بعكس ضوء الشمس ليرى على شكل الهلال.

ثانيا: إذا نظرنا إلى جهة الغرب لحظة الغروب فسنلاحظ الوهج الشديد للغسق قرب المنطقة التي غربت عندها الشمس؛ فإذا ما وقع القمر في تلك المنطقة فإن إضاءة الغسق الشديدة ستحجب إضاءة الهلال النحيل.

ثالثا: إن وقوع قرص القمر قرب قرص الشمس وقت الغروب يعني أن القمر قريب جدّا من الأفق، وقت رصده، ووقوع القمر قرب الأفق سيؤدي إلى خفوت إضاءته بشكل كبير جدّا؛ فنحن لا نستطيع النظر إلى الشمس وقت الظهيرة، في حين أنه يمكن النظر إليها وقت الغروب بارتياح أحيانا.

وذلك لأن أشعة الشمس وقت الغروب تسير مسافة أكبر في الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى توهين، وتشتت أشعتها، ولا يصلنا منها إلا القليل. وهذا ما يحدث للهلال أيضا فالغلاف الجوي عند الأفق كفيلٌ بأن يشتت جميع إضاءة الهلال، فلا نعود نراه.

ويستنتج الفلكيون مما سبق أن قرص القمر يجب أن يكون على ارتفاع مناسب عن الأفق الغربي، وأن يبتعد مسافة كافية عن قرص الشمس حتى تزداد نسبة إضاءته، ولكي يبتعد عن وهج الشمس وبالتالي يزداد سطوعه.

وإذا حدث الاقتران قبل غروب الشمس وغرب القمر بعد غروب الشمس، ولكنه لا يمكن رؤية الهلال لأحد الأسباب الثلاثة سالفة الذكر؛ فإن رؤية الهلال تسمى "غير ممكنة".

وتعتمد الغالبية العظمى من الدول العربية على ثبوت رؤية الهلال بالعين المجردة، ومن أهمها السعودية.

لكن في بلدان أخرى مثل تركيا، التي يقطنها قرابة 77 مليون مسلم، يعلم السكان موعد بداية رمضان منذ بداية العام، إذ تنشر مؤسسة الشؤون الدينية جميع المواعيد الدينية المرتبطة بالشهور القمرية، مثل الأعياد، وبداية شهر رمضان، وليلة الإسراء والمعراج، وغيرها من المناسبات.

ويستعد المسلمون في تركيا للصيام اعتبارا من يوم الخميس المقبل 18 من حزيران/ يونيو الجاري، وذلك بناء على الحسابات الفلكية التي تعتمدها الحكومة التركية في تحديد المناسبات الدينية المرتبطة بالشهور القمرية.

وكانت بعض الدول العربية دعت إلى تحري رؤية هلال شهر رمضان مساء الثلاثاء.

وفي السعودية، قالت المحكمة العليا في بيان لها: "ترجو المحكمة العليا ممن يراه بالعين المجردة أو بواسطة المناظير إبلاغ أقرب محكمة إليه، وتسجيل شهادته لديها، أو الاتصال بأقرب مركز لمساعدته في الوصول إلى أقرب محكمة".

وتأمل المحكمة "ممن لديه القدرة على الترائي الاهتمام بالأمر، والانضمام إلى اللجان المشكلة في المناطق لهذا الغرض، واحتساب الأجر والثواب بالمشاركة فيه، لما فيه من التعاون على البر والتقوى، والنفع المتعدي لعموم المسلمين".



loader
 
قـلوبنا معك غـزة