فضل صيام يوم عرفة والعمل الصالح فيه

 

 

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ".

والحديث يدل بظاهره على أن صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين، كما يستحب الإكثار من الأعمال الصالحة من صلاة نفل وصيام وصدقة وذكر وغيرها في أيام عشر ذي الحجة عمومًا، وفي يوم عرفة على وجه الخصوص.

ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء". رواه البخاري.

وللصيام فوائد ومزايا كثيرة، ينبغي للمسلم تتبعها وتقصيها، حتى يعمل بها، ففي صيام التطوع من الفضيلة ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: " فمن تطوع خيراً فهو خير له " [ البقرة ]، وقوله جل شأنه: "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " [ الحج ].

فكل إنسان يحتاج إلى فعل الخير والعمل الصالح تقربًا إلى الله وتعبدًا له وزيادة في الأجر والثواب فعطاء الله لا ممسك له ، وثوابه لا حدود له، فعلى المسلم أن يكثر من فعل الخير والعمل الصالح.

والمسلم يرجو من ذلك أحد الأمرين

الأول: التقرب إلى الله بفعل الخير :

فصيام التطوع من الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى، وهو من أجلها على الإطلاق كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : الصيام أفضل ما تطوع به، لأنه لا يدخله الرياء، والرياء محبط للأعمال مدخل للنيران والعياذ بالله، فالعبد مأمور بالإخلاص ولهذا قال الله تبارك وتعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " [ البينة ].

وصوم النافلة له مزايا عديدة من أعظمها أنه يباعد وجه صاحبه عن النار، ويحجبه منها ويحاج صومه عنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفًا" [ متفق عليه ].

وكثرة الصوم دليل على محبة الله للعبد، ويا لها من منزلة عالية ومكانة رفيعة يحظى بها العبد عند ربه فما أن يكثر من الصيام إلا ويحبه ربه، ومن أحبه ربه وضع له القبول الأرض وفي السماء، قال صلى الله عليه وسلم: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه".

والفضائل كثيرة لأن المقام ليس مقام ذكر لفضائل ومزايا الصيام وإنما هو لغرض آخر.

الثاني: جبر الخلل الحاصل في العبادة :

فالإنسان لا يخلوا من خطأ ونقص ومعصية، فكانت النوافل تكمل الناقص من الفرائض ومن ذلك الصوم ، فهناك مكروهات كثيرة قد يقع فيها صائم الفريضة تنقص أجر صومه ، فشرعت النافلة لسد ذلك النقص وترقيع ذلك الخلل.

فكل ابن آدم خطاء ، والكل يجوز عليه الذنب والخطيئة ، فشرع التطوع لجبر ذلك النقص ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة " [ رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند ].

والمسلم يسعى لزيادة الأجر، وتحصيل المثوبة من الله تعالى، ولا يتأتى ذلك إلا بفعل الواجبات والإكثار من المستحبات، ومنها الصوم المستحب، مثل صوم يوم عرفة.

ماذا يكفر صوم يوم عرفة :

فعموماً لا ينبغي صيام يوم عرفة للحاج أما غير الحاج فيستحب له صيامه لما فيه من الأجر العظيم وهو تكفير سنة قبله وسنة بعده . والمقصود بذلك التكفير ، تكفير الصغائر دون الكبائر ، وتكفير الصغائر مشروطاً بترك الكبائر ، قال الله تعالى : " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " [ النساء ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر " [ رواه مسلم ] .

صوم التطوع لمن عليه قضاء:

اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في حكم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان.

فذهب الحنفية إلى جواز التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان من غير كراهة، لكون القضاء لا يجب على الفور ، قال ابن عابدين : ولو كان الوجوب على الفور لكره ، لأنه يكون تأخيرا للواجب عن وقته الضيق.

وذهب المالكية والشافعية إلى الجواز مع الكراهة، لنا يلزم من تأخير الواجب، قال الدسوقى : يكره التطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب ، كالمنذور والقضاء والكفارة .سواء كان صوم التطوع الذي قدمه على الصوم الواجب غير مؤكد ، أو كان مؤكداً ، كعاشوراء وتاسع ذي الحجة على الراجح.

وذهب الحنابلة إلى حرمة التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان ، وعدم صحة التطوع حينئذ ولو اتسع الوقت للقضاء ، ولا بد من أن يبدأ بالفرض حتى يقضيه، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض أيضا، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله وسلم قال (( من صام تطوعاً وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه )) [ رواه أحمد ]، وقياساً على الحج . في عدم جواز أن يحج عن غيره أو تطوعاً قبل حج الفريضة . [ الموسوعة الفقهية 28 / 100 ].





loader
 
قـلوبنا معك غـزة