أرجوحة "زيد" تحلق به فيعانق روح والده الشهيد ..

 

لا يفارق أطفال أمجد السكري ضريح والدهم، منذ لحظة مواراته الثرى يوم الاثنين الماضي، الضريح الذي لا يبعد سوى عشرات الامتار عن منزل العائلة المكلومة، بات مزارا لهؤلاء الأطفال، رغم أنه لا يتجاوز عمر أكبرهم تسع سنوات بعد.

جهاد الابن الأكبر للشهيد، تلقى خبر استشهاد أبيه خلال عودته من المدرسة حيث سألته مسنة من مسنات حارته السؤال التالي:
- اللي بستشهد وين بيروح؟
- فأجاب: عالجنة..
- فقالت: أبوك استشهد.
هكذا بكل بساطة تلقى جهاد الخبر، ولكن وراءه حقيقة مفجعة، تقول إنه فقد أبا حنونا طيبا وشجاعا، وأنه سيحرم من كل هذا الحنان الذي كان فيه، بل وأيضا، أن كل السنوات القادمة لن يظل فيها جهاد واضعا يديه في جيبه تماما كما هو الآن، "خلال فترة المقابلة".
ولم تفارق عينا جهاد الأرض طيلة فترة الحديث، بصعوبة استطاع حبس دموعه التي أدمت قلبه وكأنه يخجل حتى من حزنه على والده، كيف لا وهو تعلم منه أن الرجل.. لا يبكي!
استغراب مراسلة وطن من وجود أطفال بهذا العمر في مقبرة، سرعان ما زال بجواب جهاد على سؤال المراسلة:
- ماذا تفعلون هنا؟
- جئت مع أخي عند والدنا؟!
- وأين والدكم؟
- هنا تحت التراب..
- إذن لماذا جئتم؟!
- لأننا نريد أن نبقى إلى جانبه، حتى وإن كان تحت التراب.

صبر الابن.. وبكى الأب!
في الطرف الآخر من جماعين  بلدة الشهيد السكري جنوبي نابلس، بيت عزاء افتتحه أهل القرية من رفاق أمجد أوصدقائه وأهله، فكان والد الشهيد جاسر السكري، يجلس في الركان الأمامي من قاعة الجلوس، ليستقبل التحايا وبرقيات التهنئة بمن بات واضحا عليهم علامات الفخر والعز بما فعله ابن قريتهم.
فأمجد لم يستطع التزام الصمت على كل هذا الذل والهوان الذي يعيشه شعبنا جراء سياسة الاحتلال، وكونه رجل أمن بسيط استطاع بسهولة أن يدرك حقيقة انعدام الأمن تحت الاحتلال، فكانت بطاقة الـ "في أي بي" التي يحملها بحكم عمله كرجل أمن، وليس كونه سياسيا أو صاحب نفوذ أو رأس مال أو غيره، كانت تصريحا استعان به أمجد، لعبور جنات الفردوس..
وفي الوقت الذي استطاع جهاد ابن التسعة أعوام حبس دموعه، لم يستطع جده ذي السبعينات أن يحبسها، فبكى لرحيل ابنه الشهيد مرة، ولأطفاله اليتامى ألف مرة، وإن كان الحفيد تلقى خبر استشهاد والده من مسنة "باردة الأعصاب قليلا"، فالجد لم يكن حاله أفضل إطلاقا، هو الذي تلقى الخبر عبر شاشة التلفاز.

خبر عاجل
"كنت أتابع أخبارعملية أعلنوا أنها وقعت على حاجز "دي سي أو" في مدينة رام الله، حيث قالوا إن ثلاثة إصابات وقعت في عملية نفذها رجل أمن، بعد أن عبر الحاجز وأشهر سلاحه الذي أطلق منه الرصاص على ثلاثة جنود، ثم استشهد." هكذا قال والد أمجد.
وما هي إلا لحظات حتى أعلنت الفضائية اسم منفذ العملية، التي سميت فيما بعد "عملية في آي بي"، فكان أمجد حبيب والده ومهجة فؤاده صاحب الاسم.
والد الشهيد لم يكن يعرف أن ابنه يخطط لهذا العمل البطولي، ولم يكن يعرف أن لديه أغلى من أطفاله الأربعة، ولكنه على الأقل يعرف أن أمجد الرجل الصلب لم يقبل يوما بأن يعيش بذل وظلم، ولديه من الأنفة ما يمكنه أن يقتل ظالما لو تمردا.
أمام بيت الشهيد السكري، "أرجوحة" علقت على غصن تينة، وحملت فوق فراشها الصغير زيد "عام واحد"، هو الطفل الأصغر للشهيد، كانت حركتها كما نسمة هواء، نقلت قلوبنا من يسارها إلى يمينها مع كل اهتزازة، وزيد يضحك فرحا، ربما لأنه يطير في السماء كلما تحركت الأرجوحة، أو لأنه يعانق روح والده التي رحلت إلى السماء قبل أسبوع عند بارئها، لتكتمل بهذا المشهد، تفاصيل الحكاية..



loader
 
قـلوبنا معك غـزة