روكز بيرغ يركض على سور الصين ولا يجد "فيسبوك"

 

الانفتاح الإعلامي شيء، ومقاومةُ التغلغل والفوضى شيءٌ آخر. هكذا، تحزم الصين موقفها وتمشي، حتى لو جاب مؤسس موقع «فايسبوك» مارك زوكربرغ بكين كلّها جرياً على أقدامه، ومن دون قناع واقٍ، متحدياً ضباب التلوث الذي يلف عاصمةً لم ييأس من التودد إليها منذ أعوام، ولكن من دون جدوى.

مرة جديدة، تفشل لغة الماندارين التي بدأ زوكربرغ يتقنها، والتي فاجأ بها الحضور في جامعة «تسينغوا» قبل أقل من أسبوعين خلال زيارته الأخيرة لبكين، في تمكينه من اختراق بلد المليار ونصف المليار نسمة مجدداً. ولم يشفع له جريُه في ساحة تيانانمن الشهيرة، والتفافه على «سور النار العظيم» (مصطلح the great firewall of china الذي يقونن الإعلام الإلكتروني الصيني)، ناشراً صورته وهو يركض أمام «المدينة المحرمة» على موقعه.

مرة جديدة، تصد بكين تودّد زوكربرغ، معيدةً شروطها للسماح لموقع التواصل الاجتماعي الأشهر في دخول الســاحة الصيــنية رسمياً، ومنها الوصول إلى بيانات المستخدمين كافة، والشراكة مع شركة صينية محلية.

في الواقع، يفضل العملاق الآسيوي المنتجَ الإعلامي المصنع محلياً مئة في المئة، مقاوماً الغزو «الثقافي»، ومتمسكاً بسياسة الأمن الإلكتروني التي تشكل خطاً أحمر في عصر العولمة والإرهاب، رافضاً أن تكون بيانات مستخدميه بيد الولايات المتحدة.
في ظل ذلك، يدخل «الإعلام الجديد» إلى الصين بمواكبةٍ مشدّدة، ولا تمنعه مواكبة العصر وتحدياته الإعلامية، وكذلك التكنولوجية، التي تملك البلاد مفاتيحها جيداً: بكلّ بساطة، فإنّ «ويبو» و «وي شات» و «رينرين» وغيرها تشكِّل بديلاً ممتازاً عن «تويتر» وأخواته، وتلقى انتشاراً واسعاً. أما موقع «فاسيبوك»، المحظور منذ العام 2009، فمسموح به بشروط، وللشركات الصينيّة وبعض المؤسَّسات التي تبحث عن غزو الأسواق العالميّة والدعاية لنفسها.
تحديَّات «الإعلام الجديد»

بعيداً عن هموم زوكربرغ، تواجه الصين تحديات «الإعلام الجديد» بثقة. مع أربعة ملايين موقع إعلامي الكتروني، و700 مليون مستخدم للإنترنت، يدرك العملاق الآسيوي أهمية هذا القطاع المنافــس للصحــافة المكتوبة التي تراجعت نسبة الإعــلانات فيها، وإن ظلّت أرقام مبيعات النسخة الورقيّة لصحيفة «الشعب» الأكثر انتــشاراً مثلاً، ثابتة وجيّدة (تبيع ثمانية ملايين نسخة يومياً).
تشهد الصين طفرة وتطوراً إعلاميين غير مسبوقين، مع وجود 1900 صحيفة، وألفي محطّة تلفزيون، علماً أن كلّ وسائل الإعلام في البلاد مملوكة للحكومة أو للحزب الشيوعي الحاكم، ولكنها لا تلقى دعماً مادياً منهما، بل تعمل وفق سياسة السوق وشروط العرض والطلب، أي وفقاً لـ «الخلطة» الصينية: يد للسوق... ويد للدولة.

بالنسبة إلى واقع الإعلام الصيني بشكل عام، فيؤكد سكرتير عام جمعية الصحافيين الصينيين زو تشاوشين أنّ «عملية الإصلاح داخل هذا القطاع بدأت تحصد ثمارها»، فـ «أحوال الصحافيين بالنسبة للحريات بدأت تتحسن، والبيئة الصارمة المفروضة بدأت تلين»، معتبراً أنه «من الضروري عدم المقارنة مع الغرب، بل مع واقع الإعلام الصيني الذي كان سائداً في الماضي».

يُذَكِّر تشاوشين بقصة قديمة عن صحافية أجنبية كانت مقيمة في بكين لفترة طويلة، وأرادت أن تجري مقابلة مع مؤلفة مسرحية صينية صديقة لها، لكن طلبها رفض من قبل وزارة الخارجية الصينية، لكنّه يشدد على أن «الواقع اختلف اليوم، ويحظى الصحافيون الأجانب باهتمام بالغ».
يُ

ذْكَر أن البطاقة الصحافية التي تمنح للصحافة الأجنبية من قبل «المركز الصحافي الدولي» التابع لوزارة الخارجيّة، لتغطية الأحداث السياسية الكبرى في البلاد، وآخرها مؤتمر مجلس النواب والمؤتمر الاستشاري للحزب الحاكم، تعتبر «حظوة» كبيرة لحامليها، يحسدهم عليها الصحافيّون المحليّون. كما أن الصحافيين الأجانب أصبحوا يتمتعون بحرية وحماية كبيرتين داخل الصين.

ومع وجود مليون صحافي صيني مسجلين في الجمعية (منح 300 ألف صحافي بطاقةً العام الماضي)، يلفت تشاوشين إلى عدم وجود قانون خاص للإعلام في البلاد، ولكنّ الحقوق والواجبات يكفلها «الدستور». ولدى سؤاله عن منع البطاقة الصحافية عن صحافيين يعملون في مواقع إخبارية الكترونية مملوكة لبعض الشركات الخاصة مثل عملاق البيع الإلكتروني «علي بابا» (طريقةٌ للالتفاف على الإعلام الرسمي)، يكتفي المسؤول الإعلامي بالقول إن «الأمور تتحسن، ولا نستطيع الحديث عن كمال».
الصين تتكلم «عربي»

تعتبر وكالة «شينخوا» أهم وكالة أنباء في الصين، ولا تقتصر وظيفتها على توزيع الأنباء، ولكنها تملك محطة تلفزيونية وصحيفة، كما لديها موقع الكتروني ينشر بلغات عدة، ومنها العربية، ما يجعلها ذات تأثيرٍ كبير في البلاد.

وضمن سياسة الانفتاح التي تنتهجها الصين، والتي تشهد اهتماماً خاصاً بالدول العربية، تبث قناة «سي سي تي في» بالعربية أيضاً، كما تعمل «إذاعة الصين الدوليّة» على تفعيل قسمها العربي، الذي يضم صحافيين من موريتانيا والسودان ومصر.

 أقــر المسؤولون في القسم، بأنَّ جهود الترويــج لمحطتــهم عربيّاً ضعيفة، إلّا أنّ التــعاون مع الإذاعات العربيّة «يزداد يوماً بعد يوم». ويصدر القسم العربي في الإذاعة مطبوعة خاصة، كما يعمل على دبلجة بعض المسلسلات الصيــنيّة إلى اللغة العربية، ولديه صفحة على «فايســبوك» و «تويتر». أما مواكبة الأحداث العربــية، فتلتزم بسياسة «النــأي بالنــفس» التي تعتمدها بكين، وإن كان الوضــع «اختلف قليلاً حالياً، إذ من الممكــن ترك انطــباع لدى بث الخبر، ولكن ليس أبداً على النمط الغربي».



loader
 
قـلوبنا معك غـزة