منزل مس بيرجرين.. التحكم فى الزمن

عندما يستطيع الفيلم تقديم المتعة للمتفرج وإقناعه بالعوالم التى يقدمها، مع الاحتفاظ بالجودة الفنية العالية، يكون قد كتب شهادة نجاحه.

من هذه الأفلام، الفيلم البريطانى "منزل مس بيرجرين للأطفال غريبى الأطوار" 2016، للمخرج تيم بيرتون، وكَتَبت له السيناريو جين جولدمان، عن رواية بنفس العنوان للكاتب رانسوم ريجز، وتدور أحداثه بين زمنين مختلفين، الزمن الحالى وزمن الأربعينيات فى بريطانيا، عن منزل للأطفال المميزين أو الذين يمتلكون قوى خارقة، يقع فى مقاطعة ويلز، أثناء الحرب العالمية الثانية، وتقوم سيدة المنزل، ولحماية الأطفال من قنبلة ألقت بها الطائرات الألمانية وأدت إلى تدمير المكان ومقتل من فيه، بصنع حلقة زمنية، بحيث يتكرر اليوم السابق على الغارة الجوية، بشكل مستمر وللأبد.

 

تيم بيرتون، أخرج وأنتج العديد من الأفلام الهامة، والتى حققت قبولا جماهيريا ونقديا مثل "سمكة كبيرة – 2003"، و"عيون كبيرة – 2014"، كما كون مع جونى ديب، ثنائيا ناجحا، وقدما معا أشهر أفلام ديب، ومنها "إدوار ذو الأيدى المقص – 1990"، و"إد وود – 1994"، وهو سيرة ذاتية لأفشل مخرج فى هوليود، و"تشارلى ومصنع الشيكولاتة – 2005"، فى نسخته الثانية بعد أخرى أنتجت فى بداية السبعينيات، و"سوينى تود – 2007"، حول حلاق يقوم بذبح زبائنه وقدمها فى شكل غنائى، والقصة الشهيرة "أليس فى بلاد العجائب – 2010"، كما أنتج الجزء الثانى منها "أليس عبر المرآة – 2016"

 

 

وفى الكثير من أفلامه يستلهم بيرتون، عوالم الطفولة والحكايات التى شكلت وعى الكثير من الأطفال، والتى تميل فى بعض الأحيان إلى التماس مع الرعب، ولكن ليس بشكله المقزز أو المنفر، بل الرعب المقبول، كما يمزج بين العالم الواقعى المادى الذى نعيشه والعالم الخيالى بحدوده اللامتناهية، بحيث يختلط الاثنان ليصبحا عالما واحدا متكاملا، منتصرا فى النهاية للخيال والحكاية.

 

يمتلك بيرتون أسلوبه المميز فى الإخراج، حيث يهتم بالأزياء والمشاهد السوريالية، كما أن له شغفا خاصا بالوجوه الشاحبة والتى تشبه وجه الموتى، ويتكرر ذلك فى الكثير من مشاهد أفلامه، مثل "سوينى تود" و"ظلال داكنة 2014"، وغيرها، إضافة إلى اهتمامه بالعوالم الغريبة التى يتم فيها كسر الحاجز غير المرئى بين الواقع والفانتازيا، والتى ربما تبدو فى بعضها مقبضة أو غير مبهجة، حتى أفلامه الانيميشين لم تسلم من هذا، وهما فيلماه "فرانكشتاين - 2012" و"جثة العروس – 2005"، والأخير قام فيه جونى ديب، بالأداء الصوتى.

 

 

فيلم "منزل مس بيرجرين للأطفال غريبى الأطوار"، قام ببطولته الفرنسية إيفا جرين، فى ثانى لقاء لها مع تيم بيرتون، وقدمت دور "مس برجرين" صاحبة منزل الأطفال الغريبين، وأدى الممثل الشاب آسا بترفيلد، دور "جاك"، وهو حفيد أحد رواد المنزل والذى يتمكن من اقتحام الحلقة الزمنية وإنقاذ الأطفال من "البارون" الشرير، وقدم بيترفيلد، من قبل بطولة فيلمين هامين هما "هوجو – 2011" للمخرج الكبير مارتين سكورسيزى، والذى حصد 5 جوائز أوسكار، وفيلم "الولد ذو البيجامة المخططة – 2008" للمخرج البريطانى مارك هيرمانن، واستطاع بيرتون، التحكم فى ممثليه، خصوصا الأطفال، وإن كانت بعض شخصيات الأطفال الغريبين لم تنل مساحة مناسبة لها فى الفيلم، لحساب أطفال آخرين نالوا مساحة أكبر، فمثلا الفتاة التى تطير كانت مساحة دورها أكبر، ربما لتبرير علاقة الحب التى تنشا بينها وبين القادم من المستقبل "جاك".

 

ممثلان كبيران أديا أدوارا ثانوية فى الفيلم، وهما صامويل جاكسون، فى دور "البارون" الشرير الباحث عن الخلود، والذى يطارد الأطفال المميزين فى حلقاتهم الزمنية للوصول لهدفه. جاكسون، وكعادته ترك بصمته على الفيلم، فى شخصية تبدو مختلفة عن أدواره السابقة، سواء من حيث الأداء أو الشكل، ذلك الأسود ذو الشعر الأبيض والعينين الجاحظتين ونبرة الصوت المعدنية، صورة تبث الرعب بمجرد تخيلها، لكنه أضفى عليها شخصيته التى خففت من شرها أو على الأقل لم تجعلها بغيضة. الممثلة الثانية هى جودى دينش، والتى أدت 3 أو 4 مشاهد لشخصية "مس أفوسيت"، إحدى الناجيات بأعجوبة من "البارون".

 

 

بعض مشاهد الفيلم تذكرتا على الفور بالعوالم السوريالية لدى الرسام الإسبانى سلفادور دالى، والذى اهتم فى بعض لوحاته بالزمن، وليس غريبا إذن أن يستحضره بيرتون، فى الفيلم، والذى بدوره يدور حول تجميد الزمن والتحكم فيه، ويظهر ذلك أكثر فى شخصية الفتاة التى تمتلك جسدا أخف من الهواء، وترتدى طول الوقت حذاء من الرصاص حتى لا تطير، كما يتم ربطها بحبل لتعلو فى السماء مثل البالون، أو الطفل غير المرئى، والذى تظهر منه ملابسه والكاب فوق رأسه، وهناك أيضا التوءم المتطابق، واللذان يرتديان قناعا يخبئ وجهيهما، أو "مس بيرجرين" التى تمتلك قدرة التحول إلى طائر، ونلاحظ أن أسماء بعض الشخصيات تحمل معنى آخر، فـ"بيرجرين" هو اسم لأحد أنواع الصقور، أما "أفوسيت" فهو اسم لأحد الطيور المائية.

 

 

بيرتون، لا يقدم أفلاما للأطفال بالمعنى الدقيق للكلمة مثلما تفعل شركات أخرى متخصصة فى ذلك، مثل والت ديزنى، أو بيكسار، فلا يمكن تصنيف أفلامه بأنها للأطفال، ولكنه يقدمها للكبار، ربما لرغبته فى إرجاعهم إلى تلك العوالم التى تركوها طبقا لمنطق الزمن القاسى، منتقلين إلى مرحلة عمرية أخرى مختلفة، يشغلها العمل والبحث عن تأمين المستقبل والانشغال بمسؤوليات الأسرة، فهو يلعب على رغبة دفينة لدى الكبار فى العودة إلى تلك الأيام، أو كما فعل أبطال فيلم "منزل مس بيرجرين" والذين أوقفوا الزمن عند نقطة محددة ويتم تكرارها للأبد، وهى رغبة ربما يفكر فيها الكثير من البشر عند تذكرهم لمتعة وسعادة أيام الطفولة، إذن فـ"بيرتون" يلعب على الحنين أو "النوستالجيا" للأيام السالفة، وبإخراجه لذلك الفيلم يحقق تلك الرغبة حتى لو كانت بشكل افتراضى ولمدة ساعتين فى صالة السينما المعتمة.

 

 

فلم المغامرة والخيال منزل الأنسة بريجرين للأطفال الغرباء

Miss Peregrines Home for Peculiar Children 2016 مترجم

مشاهدة وتحميل الفلم من هنا

https://www.kids.almo7eb.com/play-17203.htm

 



loader
 
قـلوبنا معك غـزة