فيلم كريشا Krisha … الفيلم المظلوم جماهيريًا والتقييم 8.5

 

فيلم كريشا Krisha … الفيلم المظلوم جماهيريًا والتقييم 8.5

 

 

نرى كل عام الكثير من الأفلام الجيدة، لكن للأسف يوجد الكثير من الأفلام الجيدة أيضًا التي لا تحظى بالشهرة الكافية التي تستحقها، ومنها فيلم “Krisha” الفيلم المستقل الذي نال مديحًا كبيرًا من النقاد بعد عرضه، لكن مع ذلك لم يلقَ إقبالًا كبيرًا من الجمهور، رغم أنّ مستوى الفيلم ممتاز وهو بالتأكيد واحد من أفضل الأفلام لعام 2016.

في البداية لنتكلم قليلًا عن قصة صناعة الفيلم، قصة الفيلم مستوحاة من أحداث حقيقية حدثت مع عائلة المخرج تري إدوارد شولتز، وقد قام المخرج بصنع فيلم قصير بنفس الاسم في عام 2014، والذي ترشح وفاز بعدة جوائز ليقرر بعدها تحويله لفيلم طويل، لنحصل على فيلم Krisha الذي تمت صناعته بميزانية ضئيلة جدًا هي 30 ألف دولار تم جمعها عن طريق حملة على موقع Kickstarter وتم تصويره في 9 أيام فقط، طول الفيلم هو ساعة وعشرون دقيقة، وهي فترة مثالية لعرض القصة.

يتمحور الفيلم حول شخصية “كريشا” التي تعود للقاء عائلتها بمناسبة عيد الشكر بعد غياب طويل، لكن وجودها يسبب بعض التوتر بسبب المشاكل التي قامت بها في الماضي.

على الرغم من أنّ الفيلم يشبه الأفلام الوثائقية، وأنّ بعض الأحداث والحوارات قد تبدو مرتجلة، إلّا أنّ الفيلم يتبع نصًا مفصلًا كتبه تري إدوارد شولتز، وسيناريو الفيلم جيد جدًا رغم بساطته.

بالنسبة لأداء الممثلين فيجب التنويه أنّ أغلب الممثلين في الفيلم هم أقرباء المخرج وأصدقائِه، حيث لم يقوموا بالتمثيل حقًا، وهو أمر مناسب لأسلوب عرض الفيلم، حتى أنّ المخرج تري إدوارد شولتز قام بلعب شخصية عن شاب يريد أن يصبح مخرجًا، وكانت من الشخصيات المهمة في الفيلم.

لكن التركيز الكامل في الفيلم كان حول شخصية “كريشا” التي قامت بدورها الممثلة كريشا فيرتشايلد عمة إدوارد شولتز، وهي ممثلة محترفة، ومن المؤسف أنّ أشهر أعمالها هو فيلم Krisha الذي لم يحظَ بالشهرة الكافية أيضًا، حيث أثبتت كريشا في الفيلم أنّها ممثلة ممتازة، والأداء الذي قدمته في الفيلم كان مثاليًا، وساعدت طريقة عرض الفيلم على أنّك تشعر بأنّك ترى شخصية حقيقية، بالإضافة لإبداع الممثلة بتقديم الشخصية.

على الرغم من أنّ الفيلم هو فيلم درامي عائلي ولا يحتوي على أحداث ضخمة أو حبكات مشوقة، إلّا أنّ المشاهد لن يشعر بأي لحظة ملل في الفيلم، والسبب يعود لعبقرية المخرج؛ لأنّه لا يكفي أن تروي قصة ملهمة  إذا كانت طريقة عرضها سيئة، والمخرج استطاع أن يجذب اهتمام المُشاهد في كل مشهد، وجعله متشوقًا لمعرفة تفاصيل أكثر عن الشخصيات وعلى الأخص شخصية “كريشا”، فطوال الفيلم ستتساءل من هي “كريشا”، وما علاقتها بباقي الشخصيات؟ لماذا كانت بعيدة عن باقي أفراد عائلتها لفترة طويلة؟ ولماذا قررت العودة الآن؟ وذلك لأنّ المخرج جعلك تتعاطف مع هذه الشخصية، وتشعر بمشاعرها.

أيضًا تري إدوارد شولتز أثبت في الفيلم أنّه يملك سمات “المخرج العظيم”، من خلال عدة تكنيكات إخراجية مذهلة مثل: التنويع باللقطات، واستخدام طرق تصوير مميزة، الاستخدام المثالي للموسيقى التصويرية، التعديل الممتاز والانتقال بين المشاهد، وأسلوب عرض الفيلم بشكل عام، الذي يشبه أسلوب عرض الأفلام الوثائقية، ومن الجدير بالفيلم أنّ فيلم Krisha هو أول فيلم طويل للمخرج الذي يبدو أنّه سيصبح واحدًا من أفضل المخرجين الشباب حاليًا، خصوصًا بعد المديح النقدي الذي لاقاه فيلمه الجديد It Comes at Night.

أحد المشاكل القليلة في الفيلم هي عدم توضيح العلاقة بين الشخصيات، وهو أمر مقصود على ما أعتقد؛ لأنّ المخرج حاول أن يعرض الفيلم ليكون حقيقيًا وواقعيًا قدر الإمكان، وفي الواقع لا يوجد مشاهد تعريف للشخصيات بشكل مبتذل. لذا، اعتمد المخرج أن يكون الفيلم عفويًا قدر الإمكان، لكن على الرغم من ذلك كان يجب عليه في أحد مراحل الفيلم توضيح الأمور بشكل غير مباشر، كي لا يجد المُشاهد نفسه ضائعًا.

أهم ما فعله المخرج هو اتباعه قاعدة “Show don’t tell” وهي قاعدة ذهبية لأي مخرج، وهي أنّه قام بإظهار المعلومات لا رويها عن طريق الكلام، وقام باستغلال الفيلم من الناحية البصرية ليس لغاية جمالية فحسب، بل كي يوصل مشاعر الشخصيات أيضًا، من خلال تعابير وجوههم وتصرفاتهم، ومن خلال التقنيات التصويرية التي تجعلك تشعر بما تشعره الشخصيات.

الفكرة الأساسية من الفيلم هي إظهار معاناة مدمني الكحول، وكيف يمكن لإدمانهم التأثير على حياتهم وتدميرها، وكم من الوقت يمكن أن يخسره المدمنون حتى إذا توفقوا عن الشرب، مع اقتراب نهاية الفيلم تستسلم “كريشا” لرغبتها بالشرب تحت تأثير الضغط من وجودها إلى جانب عائلتها، واستطعت تفهم سبب قيامها بهذا التصرف لا تقبله بالطبع لأنّه تصرف أحمق، إلّا أنّني من خلال عرض الفيلم بدأت أفهم ما الذي تمر به هذه الشخصية، وما الذي تشعر به عندما تكون في كامل وعيها، وكمية الضغط التي تعيشه أثر رؤية ابنها بعد غياب طويل، أي أنّ المخرج جعلني أرى العالم أو بالأحرى الموقف الذي تمر فيه من خلال عيون “كريشا”.

بعد أن تقوم “كريشا” بالشرب وتدخل في حالة سكر، يقوم المخرج بنقل المُشاهد حرفيًا لرؤية الفيلم من خلال عينيها، وذلك عن طريق تغيير طريقة عرض الفيلم، بحيث تبدأ برؤية المشاهد بشكل ضبابي وعشوائي، بنفس الطريقة التي تراها “كريشا”.

في النهاية فيلم Krisha هو فيلم ممتاز من جميع النواحي، ومن أكثر الأفلام المظلومة في السنوات الأخيرة، ومن المخجل أنّ فيلمًا مثله لم يترشح لأي جائزة أوسكار، حيث كان يستحق الترشح لجائزتي أوسكار على الأقل، أحدهما لأداء كريشا فيرتشايلد الخارق، والأخرى لإخراج المبدع تري إدوارد شولتز.

منقول



loader
 
قـلوبنا معك غـزة