خلال الهدنة الانسانية الثانية التي تنتهي الليلة، وضعت الحرب أوزارها مؤقتا لمن بقيت بيوتهم في أطراف غزة المدمرة، فقرروا مغادرة مدارس الايواء من اجل استنشاق عطر بيوتهم التي لم تصلها قذائف وصواريخ العدوان رغم رائحة البارود وبراميل المتفجرات، كما حاولت البيوت أن تخالف طبيعتها المادية لتفرح باحتضانهم احياء ولو مؤقتا، بين البيوت المدمرة شرق حي الشجاعية والزيتون تفقد المواطنين ممن أتعبتهم مدارس الايواء بقايا ممتلكاتهم وذكرياتهم، ولا أمنية لهم سوى العودة للبيت رغم الدمار في المحيط، فلا كرامة للحياة بتفاصيلها الصغيرة والكثيرة الا في البيت فمن ضاقت عليه الدنيا لا يسعه الا بيته.

 

مشهد يبدو في غاية الحزن والألم الا أنه يعتبر مثالي لمن فقد بيته ولم يبقى له الا فصل دراسي يعيش فيه مع أسرته أو مع جيران جدد اشتركوا جميعهم في هم فقدان البيت، لا حكاية لهم في ليالي السهر الاجبارية سوى الماضي ومخاوف المستقبل، حكايتهم تتشابه في التفاصيل وتختلف في المسميات والأرقام.

 

العائلات التي أجبرتهم الحرب على البقاء في مدارس الأمم المتحدة وتقدر أعدادهم حسب الاحصائيات الرسمية عشرة ألاف أسرة بلا بيت ولا مقتنيات، الا ما وصل من تبرعات بعض الفرشات والأغطية ووجبات الطعام اليومية التي مل منها النازحون الجدد فقرروا شراء أنابيب غاز صغيرة لطهو طعامهم بمذاق تعبهم لعلهم يتغلبون على سادية الزمن الذي يذكرهم بما مضى ويرعبهم من قسوة الأيام القادمة بدون حائط أو قرار.

 

عائلة "عمارة" لجأت إلى مدرسة مملكة البحرين غرب مدينة غزة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" التي تضم أكثر من ثلاثة ألاف نازح، لكن ضيق المكان أجبرها على الاستقرار في مرحاض، يصحوا الأب واطفاله في المرحاض.

 

 

ويقول "أبو محمد" القادم من شرق غزة المدمر هربا من الموت نحو المعاناة، لا احد يفقدنا ولا اهتمام بنا وبحالنا.

 

"هناء" الزوجة الصابرة لا تطمح الا لحياة عادية بسيطة، فالحياة بجوار المراحيض أقرب لعقوبة، والتفاصيل متروكة للقارئ، فيما يرى الزوج أنه مضطر للحياة داخل مرحاض من أجل الحفاظ على أرواح أطفاله وستر خصوصية زوجته والأسرة.

 

أما عائلة عماد وأشقاءه وشقيقته تركوا بيوتهم الواسعة في الشجاعية تحت لهيب القذائف الاسرائيلية وفروا صباحا نحو مدرسة الأونروا ليضيق بهم الحال من عدة شقق وعشرات الغرف الى مأوى من فصل واحد أصبح بداية الحياة ونهايتها بالنسبة لهم منذ ثلاثة أسابيع..

 

وعن ما تيسر من طعام تقول زوجة عماد، تُقدم لنا معلبات من اللحم والجبنة والخبز وعلب العصير، وجبات باردة تكررت لدرجة أفقدتهم شهوة الطعام، ومست الأطفال في صحتهم واصابتهم بأمراض وأعياء دون رعاية صحية وطبية.

 

 

في المدرسة اذا كانت عائلتك كبيرة تتمتع ببعض الخصوصية في فصل مغلق يستر النساء، فيما تضطر الأسر الصغيرة للتجمع في فصل واحد تجلس داخله النساء، وعندما تفر النساء من حر المنزل–الفصل الجديد يجلسن بملابس الصلاة في الساحات وخلف الفصول.

 

في رحلة النزوح الجديدة كل شيء يتم من خلال طابور الحمام والمرحاض وتعبئة المياه واستلام وجبات الطعام.

 

 

الوجوه هنا مرهقة ومتعبة تعلوها علامة استفهام وملامح الحيرة وسط الحر الشديد الذي يجعل حزنهم أكثر مرارة.

​​
الاف الأسر لا مفر لها من البقاء في المدارس حتى تلتفت لهم السياسة ونتائج اجتماعات الدول الكبيرة والصغيرة، هنا المعذبون في وادي المعاناة ينظر لهم صقور وحمائم السياسة كملفات وأرقام يقتلها الوقت والمماطلة وانتظار الاعمار.

 



loader
 
قـلوبنا معك غـزة