ارتمت بين أحضانه تعانق جسده المسجى للمرة الأخيرة، فسالت دماؤه من فمه بغزارة، وكأن كل قطرة بدمه تشتاق لها، فأخذت تمسحها بمنديلها، وتقول لمن حولها "دعوني أشبع منه، لم أشبع منه بعد"، نظرت إليه والدموع تنهمر من عينيها، وكأنها تعاتب روحه "لماذا تركتني يا نور، لقد وعدتني ألا تتركني طول العمر".

هكذا ودعت خطيبة الشهيد نور سالم، جسد وروح خطيبها الذي كان من المقرر أن تزف إليه نهاية الشهر المقبل، بعد أن اختطفت عجلات حافلة (إسرائيلية) روحه، فكانت أقرب إليه من موعد زفافه، فتضع حدا لحياته، وتجبره على ترك خطيبته التي وعدها يوما بألا يتركها أبدا.

بزغاريد أمه المكلومة، والتي لم تنس بعد وجع فراق زوجها الذي توفي قبل عدة شهور، صرخت بصوت قلبها المفجوع على فلذة كبدها: "زغردوا لنور، نور اليوم شهيد، وكلتك لله يا أمي".

سارت الأم وعروس نور بموكب تشييعه الذي انطلق ظهر اليوم الأربعاء من أمام مستشفى رفيديا بنابلس، باتجاه مسجد الحاج معزوز المصري، ثم إلى المقبرة الشرقية، حيث ووري جثمانه هناك، كل منهما تحاول أن تقنع نفسها أنها لا تعيش الواقع، وأن ما حدث هو مجرد كابوس سينتهي بعد لحظات.

وكان نور قد ارتقى شهيداً بعد أن دهسته حافلة إسرائيلية مساء أمس قرب حاجز برطعة شمال الضفة المحتلة، خلال عودته من عمله من برطعة داخل الأراضي عام 1948، برفقة ابن عمه وشاب آخر، واللذين أصيبا بجراح في الحادث.

لم تكن تتخيل العروس الشابة أن تسير بموكب تشييع عريسها بدلا من أن تسير بجانبه في زفة العرس الذي طالما تناقشا مطولا على أدق تفاصيله، وجهزا بيتهما سويا استعدادا للزفاف الشهر المقبل.

سارت وهي تحمل بين يديها منديلها المخضب بدماء عريسها، لتختلط بدموعها، تتمتم بكلمات لن يعلم وجعها سواها: "وعدتني ما تتركني طول العمر.. ليش رحت وتركتني.. ما شبعت منك".

هيثم سالم ابن عم الشهيد يقول: "كان نور ينوي أن يأخذ اليوم إجازة من عمله ليرتب لحفل زفافه، لكن الموت كان أقرب إليه من كل شيء".

ويضيف: "حتى الآن كل العائلة وخطيبته يعيشون تحت وقع الصدمة، كان الكل يتحضر لزفافه، والآن الكل يسير بجنازته".

وكان نور يعمل في محل للتنجيد في قرية برطعة بالداخل المحتل، مع أخوته وأبناء عمه، ويذهب لعمله كل يوم، بتصريح من الاحتلال.

وقال ابن عم الشهيد: "لنور ثلاثة أخوة ذكور وأخت واحدة، وكان يعيل أسرته بعد وفاة والده قبل سبعة شهور".

ويؤكد هيثم أن حادثة الدهس كانت متعمدة، مضيفا: "من كان هناك أخبرنا أن الدهس كان متعمدا، وأن الحافلة كانت تقل ما يقرب من خمسين مستوطنا، كما أن نور بقي هو ومن معه ملقون على الأرض قرابة الساعة، قبل وصول الإسعاف الإسرائيلي لهم".





loader
 
قـلوبنا معك غـزة