الرئيس السوري بشار الأسد

قال الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة مع وكالة الأنباء الكوبية الرسمية "برنسا لاتينا" بثت يوم الخميس 21-7-2016م وكانت قد أجريت معه الأربعاء الماضي: "أن أردوغان استغل محاولة الانقلاب في تركيا لتنفيذ أجنداته المتطرفة وهي أجندة الأخوان المسلمين داخل تركيا في منطقة الشرق الأوسط.

ورأى الأسد: "أن الانسجام بين أطياف النسيج السوري حقيقي وأصيل لأنه بني على مدى التاريخ وقد أصبح أفضل وأقوى".

وأضاف قائلا: "الإرهابيين وحلفائهم من في المنطقة العربية والغرب هم من زرعوا الانقسام بين السوريين".

وامتنع الرئيس السوري عن الرد بشكل صريح على سؤال عما إذا كان يفضل أن ينجح الانقلاب على أردوغان وحكومته.

وفضل القول: "بأن محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا، "ليل الجمعة صباح السبت"، ينبغي أن ننظر إليه بوصفه انعكاسا لعدم الاستقرار والاضطرابات داخل تركيا، وبشكل رئيسي على المستوى الاجتماعي، وقد يكون الأثر سياسيا أو أي شيء آخر، لكن في المحصلة فإن المجتمع هو القضية الرئيسية عندما يتزعزع استقرار البلد".

وأضاف: "بصرف النظر عمن سيحكم تركيا ومن سيكون الرئيس ومن سيكون قائد تركيا فهذه قضية داخلية، ونحن لا نتدخل كما فعلوا هم في بلادنا، فيما يخص الأزمة السورية الممتدة منذ أكثر من 5 سنوات، ولا نرتكب مثل هذا الخطأ بالقول إن على أردوغان أن يرحل أو يبقى، هذه قضية تركية، وعلى الشعب التركي أن يتخذ القرار بذلك الشأن".

واعتبر الأسد: "أن الأكثر أهمية من الانقلاب نفسه هو أن علينا أن ننظر إلى الإجراءات والخطوات التي اتخذها أردوغان وزمرته خلال الأيام القليلة الماضية، عندما بدأوا بمهاجمة القضاة وعزلوا أكثر من 2700 قاض من مناصبهم وأكثر من 1500 أستاذ جامعي وأكثر من 15000 موظف في قطاع التعليم، ما علاقة الجامعات والقضاة والمجتمع المدني بالانقلاب ؟".

وقال الأسد: "هذا يعكس نوايا أردوغان السيئة وسلوكه السيء ونواياه الحقيقية حيال ما حدث في بلاده، لأن التحقيق لم ينته بعد، كيف اتخذوا القرار بعزل كل أولئك الناس ؟ إذاً، فقد استغل محاولة الانقلاب عليه من أجل تنفيذ أجندته المتطرفة وهي أجندة الإخوان المسلمين داخل تركيا، وهذا خطير ليس على تركيا فحسب بل على البلدان المجاورة لها ومنطقة الشرق الأوسط بما فيها سوريا".

ورغم العلاقات الجيدة جداً التي كانت قائمة بين البلدين سوريا وتركيا قبل اندلاع الثورة ضد الأسد ونظامه في سوريا، لم تتخذ تركيا موقفاً مسانداً له ولنظامه بل تدهورت العلاقات بين البلدين بشكل كبير بعد اندلاع الثورة السورية، بعد أن فضلوا الأتراك الوقوف مع الشعب السوري الثائر بوجه نظام بشار الأسد، وعدم اتخاذ موقف التأييد للنظام السوري كما فعلت كل من إيران وروسيا والصين، بل فضلت دعم مطالب الشعب السوري بعد أن فضل نظام الأسد مقابلتها بالقوة، ليتم تعقيد المشهد السوري أكثر بعد اراقته للكثير من دماء الشعب السوري وحملات الاعتقال الواسعة والتعذيب، لتتحول المسيرات المناهضة للنظام السوري من مطالب بالحرية والكرامة والاصلاحات وفرص أكبر للعيش الكريم إلى مطالب أكثر ومسيرات أكبر وأوسع شملت الكثير من المناطق السورية تطالب باسقاط نظام الأسد، لتتسلح الثورة بعد 6 أشهر سلمية وسط سكوت العالم والمجتمع الدولي على القتل اليومي.


لتشرف وتدعم وتتعاون تركيا مع ما عرف لاحقا بالجيش السوري الحر عن طريق الحدود السورية التركية، وبعد ذلك من مدة أيضا مع فصائل مقاتلة معارضة معتدلة أخرى.

وتشكل الجيش السوري الحر من قبل منشقين عن الجيش السوري رفضوا تنفيذ الأوامر باطلاق النار على المسيرات المناهضة السلمية ببداية الأحداث في سوريا، وانضم لهم أيضا من كانوا سلمين ومن ثم حملوا السلاح من أجل حماية المسيرات وأسرهم والمناطق المشتعلة ضد النظام السوري، وبعدها تعقد المشهد أكثر بعد توسع الصراع المسلح بين النظام ومعارضيه مع دخول حزب الله لسوريا لدعم قوات الأمن والجيش السوري بالإضافة لمليشيات إيرانية مدعومة من قوات الحرس الإيراني وكذلك أخرى عراقية وأفغانية، واستمرار النظام السوري في نهجه بشكل أعنف وأوسع للتعامل ما يحدث في بلاده من قصف وحصار وتجويع بكثير من المناطق السورية، وظهور بعد مدة تنظيمات متشددة معارضة وأخرى معتدلة وقوات الكردية المسلحة "البيشمركة"، وصولا لدخول قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على خط الأحداث في سوريا وشن غارات جوية عليها، ثم بعد ذلك القصف الروسي في سوريا بالتنسيق مع دمشق، لمحاربة "تنظيم الدولة الإسلامية".

وغالبا ما تشن وسائل الإعلام الرسمية السورية حملات ضد تركيا، وكذلك ضد السعودية وقطر متهمة اياهم بدعم الارهابين في بلادهم. وخلال محاولة الانقلاب مساء الجمعة 15 يوليو 2016 اتخذ الاعلام السوري موقفا مساندا للانقلاب على حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كما تم اطلاق العديد من مؤيدي الأسد النار في الهواء ابتهاجا في العاصمة السورية دمشق وحلب ظنا منهم أن الجيش التركي نجح بالانقلاب على أردوغان، قبل أن تعلن السلطات التركية احباط الانقلاب في نهاية المطاف.


وقال الرئيس السوري في المقابلة فيما يخص ما تشهد بلاده من أحداث: "بأن وسطاء الأمم المتحدة من "ستافان دي ميستورا ومن قبله كوفي عنان وبينهما الإخضر الإبراهيمي ليسوا مستقلين، ولهذا السبب فإنه لا يوجد دور فعال للأمم المتحدة في ما يحدث بالصراع السوري، هناك فقط حوار روسي أميركي".

وتسعى واشنطن مع موسكو إلى اتفاق شامل لتسوية للحد من النزاع السوري الممتد منذ أكثر من 5 سنوات و4 أشهر.

وأوقعت الأحداث الأليمة في سوريا منذ اندلاعها في 15 آذار/مارس 2011 وإلى اليوم، أكثر من 600 ألف قتيل وتسببت بتشريد 12 مليون من السوريين ليلجئوا لخارج بلادهم، وتستضيف تركيا منهم حوالي 2.7 لاجئ سوري.

وهذا هو النص الكامل لمقابلة الرئيس الأسد مع وكالة الأنباء الكوبية الرسمية "برنسا لاتينا":

كيف تقيمون الوضع العسكري الراهن للعدوان الخارجي على سوريا ؟ وما هي التحديات الرئيسية التي تواجهها القوات السورية على الأرض في محاربة المجموعات المعادية للحكومة ؟ وما رأيكم حول المعارك أو المواجهات الدائرة في حلب وحمص على وجه الخصوص ؟

لقد تلقى الارهابيون بالطبع.. الكثير من الدعم من مختلف أنحاء العالم.. هناك أكثر من مئة جنسية تشارك في العدوان ضد سوريا وبدعم من بلدان معينة مثل السعودية وقطر بالمال وتركيا بالدعم اللوجستي.. وبالطبع بمصادقة وإشراف الدول الغربية وبشكل أساسي الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة "بريطانيا" وبعض الحلفاء الآخرين.. لكن منذ أن قرر الروس التدخل وتقديم الدعم لمشروع الجيش السوري في محاربة الارهابيين في سوريا وبشكل رئيسي "جبهة النصرة" و"داعش" وبعض المجموعات الأخرى المرتبطة بهما أو من على شاكلتهم، رجحت كفة الميزان لنا ضد أولئك الارهابيين.. وقد حقق الجيش السوري تقدماً مهماً وواسعاً في مختلف الجبهات في المناطق المختلفة من سوريا، وما زلنا نتقدم ولم ننتهي بعد، والجيش السوري مصمم على إلحاق الهزيمة الكاملة بالارهابيين، قبل المحاولة للتوصل لأي تسوية سياسية تدعم الوصول لانجاح الحل السياسي في سوريا.

أما فيما يتعلق بحمص وحلب.. فإن الوضع في حمص ومنذ أن غادرها الارهابيون قبل أكثر من عام أفضل اليوم بكثير وأكثر استقرارا عما كانت عليه من قبل.

وقد كان هناك محاولات مؤخرا للتسلل إلى بعض ضواحي المدينة من قبل الارهابيون وتم احباطها من قبل الجهات المختصة في الجيش السوري وحلفائه.

وجاري هناك حاليا مساعي لانجاح عملية مصالحة في تلك المناطق في المدينة، وبموجبها إما أن يتخلى الارهابيون عن أسلحتهم ويعودوا إلى حياتهم الطبيعية في حضن الوطن، ويمنحوا عفوا شاملا من الحكومة السورية، أو أن يغادروا حمص إلى أي مكان آخر في سوريا. وقد حدث ذلك ونجح مع غيرهم قبل أكثر من عام في وسط مدينة حمص.

أما الوضع في حلب فهو مختلف، لأن الأتراك وحلفائهم كالسعوديين والقطريين خسروا معظم أوراقهم في ميادين المعارك في سوريا، وبالتالي فإن الورقة الأخيرة بالنسبة لهم هي حلب، وخصوصا بالنسبة لأردوغان، ولهذا السبب فقد عمل جاهدا مع السعوديين والقطريين لإرسال أكبر عدد ممكن من الارهابيين الذين يقدر عددهم بأكثر من خمسة آلاف.

هل تقصد عبر الحدود التركية السورية ؟


نعم، لقد قدموا من تركيا إلى حلب خلال الشهرين الماضيين للاستيلاء على المدينة لكنهم فشلوا، وفي الواقع فإن جيشنا حقق تقدما في حلب وضواحيها من أجل تطويق الارهابيين ومن ثم إما التفاوض لإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية كجزء من المصالحة، أو أن يغادروا مدينة حلب، أو إلحاق الهزيمة بهم، ليس هناك حل آخر.

ما هي أولويات الجيش السوري في مواجهة المجموعات الارهابية.. ونحن مهتمون بشكل خاص بمجموعات الدفاع الشعبي.. لأننا واجهنا في كوبا شيئا مماثلا في الماضي.. ما هو الدور الذي تلعبه هذه المجموعات الشعبية في مسرح العمليات ؟

تتمثل أولوية الجيش السوري أولا وقبل كل شيء في محاربة "داعش" و"النصرة" و"أحرار الشام" و"جيش الإسلام".. هذه المجموعات الأربع مرتبطة مباشرة بالقاعدة من خلال الأيديولوجيا حيث يعتنقون الأيديولوجيا ذاتها.. إنهم مجموعات إسلامية متطرفة تريد قتل كل من لا يتفق معها أو يتصرف مثلها.

أما فيما يتعلق بمجموعات الدفاع الشعبي فإن الارهابيين في بداية الحرب السورية شنوا حربا غير تقليدية على جيشنا. وجيشنا هو جيش تقليدي كأي جيش آخر في العالم. وبالتالي فإن الدعم الذي قدمته تلك المجموعات كان مهما جدا لإلحاق الهزيمة بالإرهابيين وبطريقة غير تقليدية. لقد شكل ذلك مساعدة كبيرة للجيش السوري لأن أولئك المقاتلين الوطنيين يقاتلون في مناطقهم. في مدنهم وقراهم.

وبالتالي فهم يعرفون المنطقة بشكل جيد. أي أنهم يعرفون الطرق والممرات والتضاريس بشكل جيد. وبالتالي فإنهم يقدمون مساعدة كبيرة للجيش السوري. هذا هو دورهم.

كيف تتجلى مقاومة الشعب السوري ضد العدوان الأجنبي على الجبهة الاقتصادية.. وما هي قطاعات الاقتصاد السوري التي ظلت تعمل رغم الحرب والحصار الاقتصادي وعمليات النهب وما إلى ذلك ؟

في الواقع، الحرب على سوريا هي حرب شاملة، ولا تقتصر على دعم الارهابيين فحسب، بل أنهم وبالإضافة لدعم الارهابيين يشنوا في الوقت نفسه حربا سياسية على سوريا على المستوى الدولي.

وكانت الجبهة الثالثة هي الجبهة الاقتصادية حيث يوعزون إلى ارهابييهم وعملائهم المرتزقة بتدمير البنية التحتية في سوريا التي كانت تساعد الاقتصاد السوري وتلبي الاحتياجات اليومية للمواطنين السوريين، وفي الوقت نفسه بدأوا بفرض حصار مباشر على الحدود السورية من خلال الإرهابيين، ومن الخارج أيضا من خلال الأنظمة المصرفية حول العالم.

ولكن رغم كل ذلك.. كان الشعب السوري مصمما على عيش حياة طبيعية قدر الإمكان وقد دفع هذا العديد من رجال الأعمال السوريين أو أصحاب الصناعات المتوسطة والصغيرة بشكل رئيسي إلى الانتقال من مناطق الصراعات والمناطق غير المستقرة إلى مناطق أكثر استقرارا وتأسيس أعمال لهم على نطاق أصغر من أجل المحافظة على بقائهم والمحافظة على النشاط الاقتصادي والاستمرار بتلبية احتياجات السوريين.. وبهذا الصدد.. فإن معظم القطاعات ما زالت تعمل.

على سبيل المثال.. فإن قطاع الصناعات الدوائية لا يزال يعمل بأكثر من 60 بالمئة من طاقته.. وهذا أمر مهم جدا وداعم جدا لاقتصادنا في مثل هذه الظروف.. وأعتقد أننا نبذل الآن قصارى جهدنا من أجل إعادة توسيع قاعدة الاقتصاد رغم الوضع الراهن خصوصا بعد تحقيق الجيش التقدم في مختلف المناطق.

لو نتحدث قليلا عن المناخ الدولي.. ما هو رأيكم بالدور الذي تلعبه الأمم المتحدة في الصراع السوري.. ومحاولات واشنطن وحلفائها فرض إرادتهم على مجلس الأمن وفي محادثات السلام في جنيف ؟

يمكن الحديث عن دور الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أن يكون مضللا لأن الأمم المتحدة تشكل الآن في الواقع ذراعا أميركية يستطيعون استخدامها بالطريقة التي يريدون.. يستطيعون فرض معاييرهم المزدوجة عليها بدلا من ميثاقها.. يستطيعون استخدامها كأي مؤسسة أخرى في الإدارة الأميركية.. ولولا المواقف الروسية والصينية إزاء قضايا معينة لكانت مؤسسة أميركية بالكامل.. وبالتالي.. فإن الدور الروسي والصيني حقق بعض التوازن في هذه المؤسسات.. بشكل رئيسي فيما يتعلق بالقضية السورية خلال السنوات الخمس الماضية.

لكن إذا أردت أن تتحدث عن دورها من خلال وسطائها ومبعوثيها كالسيد دي ميستورا أخيرا.. ومن قبله كوفي عنان.. وبينهما الأخضر الإبراهيمي.. يمكننا القول إن أولئك الوسطاء ليسوا مستقلين.. إنهم يعكسون إما الضغوط التي تمارسها الدول الغربية أو في بعض الأحيان الحوار الدائر بين القوى الرئيسية وخصوصا روسيا والولايات المتحدة.. إنهم غير مستقلين.. وبالتالي لا تستطيع التحدث عن دور الأمم المتحدة.. إنه انعكاس لذلك التوازن.. ولهذا السبب فإنه لا يوجد دور للأمم المتحدة في ما يشهده الصراع السوري.. هناك فقط حوار روسي أميركي ونحن نعرف أن الروس يعملون جاهدين.. وبمنتهى الجدية والإخلاص.. لإلحاق الهزيمة الكاملة بالإرهابيين.. بينما يمارس الأميركيون ألعابا من أجل استخدام الإرهابيين وليس لإلحاق الهزيمة بهم.

كيف ترون في الوقت الحاضر التعايش بين المجموعات الإثنية والدينية السورية في مواجهة هذا التدخل الأجنبي… كيف يسهم ذلك أو لا يسهم في هذا الصدد ؟

الأمر الأكثر أهمية في ما يتعلق بهذا الانسجام بين مختلف أطياف النسيج السوري هو أنه انسجام حقيقي وأصيل لأنه بني على مدى التاريخ… وعلى مدى قرون.. وبالتالي.. فإن مثل هذا الصراع لا يمكن أن يدمر ذلك النسيج الاجتماعي.. وإذا تجولت وزرت مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة سترى جميع ألوان طيف المجتمع السوري تعيش معا.

(مداخلة للصحافي): لقد رأيت ذلك في دمشق.

تماما.. وأضيف إلى هذا انه خلال الصراع أصبح هذا الانسجام أفضل وأقوى مما كان.. وهذا ليس مجرد كلام.. هذا واقع وله أسباب مختلفة.. لقد شكل هذا الصراع درسا.. وهذا التنوع الذي يمتلكه مجتمع ما.. إما أن يغني البلد أو أن يكون مشكلة له.. ليس هناك منطقة وسطى.. لقد تعلم الناس أننا ينبغي أن نعمل بجد أكبر لتعزيز هذا الانسجام.. لأن أول خطاب استخدمه الإرهابيون وحلفاؤهم في المنطقة وفي الغرب فيما يتعلق بالصراع في سوريا في البداية كان خطابا طائفيا.. أرادوا للناس أن ينقسموا كي يتصارعوا مع بعضهم لتأجيج النيران في سوريا لكنهم فشلوا.. لقد تعلم السوريون الدرس المتمثل في أننا نعيش بانسجام وأننا كنا نتمتع بذلك الانسجام في الأوقات الطبيعية قبل الصراع ولكن علينا أن نعمل بجد أكبر كي نجعله أقوى..

وبالتالي.. أستطيع القول دون أي مبالغة ان الوضع جيد في هذا الصدد.. رغم ذلك.. يمكن القول إن الواقع مختلف في المناطق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين.. وكما تعلم فإن أولئك الإرهابيين ينتمون بشكل رئيسي إلى مجموعات متطرفة ومرتبطة بالقاعدة وقد عملوا جاهدين على غرس أيديولوجيتهم الظلامية في أذهان الجيل الشاب.. هذه الأيديولوجية التي تنطوي على القتل وقطع الرؤوس وكل تلك الممارسات المروعة.. وقد نجحوا في ذلك في بعض المناطق.. بمرور الوقت.. ستكون هناك صعوبة أكبر في التعامل مع هذا الجيل الجديد من الشباب الذين تشربوا عقيدة وأيديولوجية الوهابية والقاعدة.. إذا.. هذا هو الخطر الوحيد الذي سنواجهه فيما يتعلق بمجتمعنا وبالانسجام والتعايش الذي أشرت إليه.

أود العودة إلى الساحة الدولية.. ما هو رأيكم بالدور الذي يلعبه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمجموعات الموجودة في شمال سوريا وخصوصا فيما يتعلق بالمجموعات الكردية.. أعني عمليات القصف التي تقوم بها الطائرات الأميركية وطائرات التحالف في الجزء الشمالي من بلادكم.. ما رأيكم في ذلك ؟

كما تعرف.. فإن الادارات الأميركية عندما تكون لها علاقات مع أي مجموعة أو مجتمع في أي بلد فإن ذلك لا يكون لمصلحة ذلك البلد ولا لمصلحة الناس.. بل يكون لخدمة أجندة الولايات المتحدة.. وبالتالي.. فإن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا هو.. لماذا يدعم الأميركيون أي مجموعة في سوريا… ليس من أجل سوريا.. لا بد أن لهم أجندتهم وقد كانت الأجندة الأميركية دائما تقسيمية في كل البلدان.. إنهم لا يعملون لتوحيد الناس بل يعملون على خلق الانقسامات بينهم.. أحيانا يختارون مجموعة طائفية وأحيانا يختارون مجموعة إثنية لدعمها ضد إثنيات أخرى أو لدفعها في مسار يبعدها عن باقي فئات المجتمع.. هذه هي أجندتهم.. إذا من الواضح جدا أن هذا الدعم الأميركي لا يتعلق بـ "داعش" ولا بـ "النصرة" ولا بمحاربة الإرهاب لأنه ومنذ بداية التدخل الأميركي وتنظيم "داعش" يتوسع ولم يتقلص.. لقد بدأ بالتقلص فقط عندما بدأ الدعم الروسي للجيش السوري في أيلول الماضي.

ما هو رأيكم بمحاولة الانقلاب الذي حدت مؤخرا في تركيا.. وأثره على الوضع الراهن في ذلك البلد وعلى المستوى الدولي.. وأيضا على الصراع في سوريا ؟

ينبغي أن ننظر إلى محاولة هذا الانقلاب بوصفه انعكاسا لعدم الاستقرار والاضطرابات داخل تركيا، وبشكل رئيسي على المستوى الاجتماعي، وقد يكون الأثر سياسيا أو أي شيء آخر، لكن في المحصلة فإن المجتمع هو القضية الرئيسية عندما يتزعزع استقرار البلد.

وبصرف النظر عمن سيحكم تركيا ومن سيكون الرئيس ومن سيكون قائد تركيا فهذه قضية داخلية، ونحن لا نتدخل كما فعلوا هم في بلادنا، فيما يخص الأزمة السورية الممتدة منذ أكثر من 5 سنوات، ولا نرتكب مثل هذا الخطأ بالقول إن على أردوغان أن يرحل أو يبقى، هذه قضية تركية، وعلى الشعب التركي أن يتخذ القرار بذلك الشأن.

الأكثر أهمية من الانقلاب نفسه هو أن علينا أن ننظر إلى الإجراءات والخطوات التي اتخذها أردوغان وزمرته خلال الأيام القليلة الماضية، عندما بدأوا بمهاجمة القضاة وعزلوا أكثر من 2700 قاض من مناصبهم وأكثر من 1500 أستاذ جامعي وأكثر من 15000 موظف في قطاع التعليم، ما علاقة الجامعات والقضاة والمجتمع المدني بالانقلاب ؟.

هذا يعكس نوايا أردوغان السيئة وسلوكه السيء ونواياه الحقيقية حيال ما حدث في بلاده، لأن التحقيق لم ينته بعد، كيف اتخذوا القرار بعزل كل أولئك الناس ؟ إذاً، فقد استغل محاولة الانقلاب عليه من أجل تنفيذ أجندته المتطرفة وهي أجندة الإخوان المسلمين داخل تركيا، وهذا خطير ليس على تركيا فحسب بل على البلدان المجاورة لها ومنطقة الشرق الأوسط بما فيها سوريا.

كيف تقيمون علاقة الحكومة السورية مع المعارضة داخل سوريا.. وما هو الفرق بين مجموعات المعارضة هذه وتلك الموجودة في الخارج ؟

لدينا علاقات جيدة مع المعارضة داخل سوريا تستند إلى المبادئ الوطنية.. بالطبع لديهم أجندتهم السياسية ومعتقداتهم.. ولدينا أجندتنا ومعتقداتنا.. ويمكن أن نتحاور معهم إما مباشرة أو من خلال صناديق الاقتراع التي يمكن أن تكون شكلا آخر من الحوار.. وهذا هو الحال في كل البلدان.. لكننا لا نستطيع مقارنة هؤلاء بالمعارضات الأخرى خارج سوريا لأن كلمة معارضة تعني استخدام وسائل سلمية وليس دعم الإرهابيين وألا تتشكل تلك المعارضة خارج البلاد وأن تكون لها قواعد شعبية تتكون من سوريين.. لا يمكن أن تكون القواعد الشعبية هي وزارات الخارجية في المملكة المتحدة "بريطانيا" أو فرنسا أو أجهزة المخابرات في قطر والسعودية والولايات المتحدة.. هذه ليست معارضة.. في مثل هذه الحالة فإن هؤلاء يسمون خونة.. هم يسمونهم معارضات.. ونحن نسميهم خونة.. المعارضة الحقيقية هي تلك التي تعمل من أجل الشعب السوري وتكون مقيمة في سوريا وتستمد الرؤية لأجندتها من الشعب السوري والمصالح السورية.

كيف تقيمون إصرار الولايات المتحدة وحلفائها على أن تتنحوا عن السلطة السورية.. إضافة إلى الحملة التي يشنونها لتشويه صورة حكومتكم على الساحة الدولية… كيف تنظرون إلى إصرارهم على تنحيكم عن السلطة السورية ؟

فيما يتعلق برغبتهم بأن أتنحى عن السلطة السورية.. فهم يتحدثون عن هذا منذ خمس سنوات.. ولم نلق بالا لهم أبدا.. حتى ولو بتصريح.. لم نكترث لأمرهم أبدا.. هذه قضية سورية بحتة.. والسوريون وحدهم من يمكنهم القول من ينبغي أن يأتي ويذهب.. من ينبغي أن يبقى في منصبه ومن ينبغي أن يتنحى.. والغرب يعرف موقفنا جيدا بهذا الصدد.. وبالتالي.. فإننا لا نكترث ولا نضيع وقتنا على ما يقولونه.. أنا هنا بفضل دعم الشعب السوري.. دون ذلك.. لما كنت هنا.. هذا بسيط جدا.. أما فيما يتعلق بتشويههم السمعة أو محاولتهم شيطنة رؤساء معينين.. فهذه هي الطريقة الأميركية.. على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية.. منذ حلوا محل الاستعمار البريطاني في هذه المنطقة وربما في العالم.. منذ ذلك الحين لم تقل الإدارات الأميركية ولا السياسيون الأميركيون كلمة واحدة صادقة حيال أي شيء.. إنهم يكذبون دائما.. وبمرور الوقت.. فإنهم يصبحون أكثر تمرسا بالكذب.. هذا جزء من سياساتهم.. وشيطنتهم لي شبيهة بمحاولتهم شيطنة الرئيس بوتين خلال السنتين الماضيتين.. وشيطنة الزعيم كاسترو خلال العقود الخمسة أو الستة الماضية.. هذه طريقتهم.. إذا.. علينا أن نعرف أن هذه هي الطريقة الأميركية ولا ينبغي أن نقلق حيال ذلك.. الأمر الأكثر أهمية هو أن تكون لك سمعة جيدة لدى شعبك.. هذا ما ينبغي أن نهتم به.

ما هو رأيكم بالعلاقات السورية مع أميركا اللاتينية.. وخصوصا علاقاتكم التاريخية مع كوبا ؟

رغم بعد المسافة بين سوريا وأميركا اللاتينية فإننا نفاجأ دائما بمدى معرفة الناس في أميركا اللاتينية وليس فقط السياسيين بهذه المنطقة.. وأعتقد أن لهذا أسبابا عديدة لكن أحدها يتمثل في أوجه الشبه التاريخية والعوامل المشتركة بين منطقتينا.. بين سوريا وأميركا اللاتينية.. لقد وقعت أميركا اللاتينية تحت الاحتلال المباشر قبل وقت طويل لكنها وقعت بعد ذلك تحت احتلال الشركات الأميركية والانقلابات الأميركية والتدخل الأميركي، وبالتالي.. فإنهم يعرفون معنى أن يكون البلد مستقلا أو غير مستقل.. إنهم يفهمون أن الحرب في سوريا تدور حول الاستقلال.. لكن الأمر الأكثر أهمية هو دور كوبا.. لقد كانت كوبا رأس حربة لحركة الاستقلال في أميركا اللاتينية وكان فيدل كاسترو رمزا في ذلك المجال.. وبالتالي.. لنقل إنه على المستوى السياسي والمعرفي.. هناك انسجام قوي بين سوريا وأميركا اللاتينية.. وكوبا على وجه الخصوص.. لكنني لا أعتقد أننا نعمل بما يكفي لتحسين النواحي الأخرى من العلاقة كي تكون في المستوى نفسه.. وبشكل رئيسي في المجالات التعليمية والاقتصادية.. كان هذا طموحي قبل الأزمة.. ولذلك زرت أميركا اللاتينية.. كوبا وفنزويلا والأرجنتين والبرازيل من أجل بعث الحيوية في هذه العلاقة.. ثم بدأ هذا الصراع وأصبح عقبة كبيرة في وجه أي شيء يمكن فعله في هذا الصدد.. لكنني أعتقد بأنه لا ينبغي أن تقتصر علاقتنا على المستويين التاريخي والسياسي.. هذا لا يكفي.. هناك العديد من القطاعات الأخرى.. وينبغي أن يعرف سكان المنطقتين المزيد عن بعضهم البعض.. يمكن لبعد المسافة أن يشكل عائقا ولكن يجب ألا يكون الأمر كذلك لأن لدينا علاقات قوية مع باقي أنحاء العالم.. شرقا وغربا.. ولهذا فإن بعد المسافة لم يعد يشكل عقبة في وقتنا هذا.. أعتقد أننا إذا تجاوزنا هذه الأزمة وهذه الحرب فإن علينا أن نعمل بجد أكبر من أجل إحياء مختلف أوجه قطاعات هذه العلاقة مع أميركا اللاتينية وخصوصا مع كوبا.

ما هي توقعاتكم.. أعني ما هو رأيكم في العملية الانتخابية الجارية في الولايات المتحدة.. بشكل رئيسي لمنصب الرئيس… هناك الآن مرشحان.. المرشح الجمهوري هو السيد دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية هي السيدة هيلاري كلينتون.. ونحن نعرفها جيدا جدا.. ما هو رأيكم في هذه العملية وفي نتيجتها.. وكيف يمكن أن تؤثر على الصراع هنا.. في الحرب في سوريا ؟

استأنفنا علاقاتنا مع الولايات المتحدة عام 1974 لقد كان ذلك منذ اثنين وأربعين عاما ومنذ ذلك الحين شهدنا العديد من الرؤساء الأميركيين في مختلف الحالات.. لقد كان الدرس الذي تعلمناه هو أنه لا ينبغي لأحد أن يراهن على أي رئيس أميركي.. هذا هو الأمر الأكثر أهمية.. إذا فالأمر لا يتعلق بالاسم.. لديهم مؤسسات ولديهم أجنداتهم الخاصة.. وعلى كل رئيس أن يأتي لتنفيذ تلك الأجندة بطريقته.. لكن في المحصلة.. عليه تنفيذ تلك الأجندة.. جميعهم لديهم أجندات عسكرية.. والفرق الوحيد يتمثل في الطريقة.. أحدهم يرسل جيشه كما فعل بوش.. وآخر يرسل مرتزقته وعملاءه.. مثل أوباما.. لكن عليهم جميعا تنفيذ هذه الأجندة.. ولهذا لا أعتقد أنه يسمح للرئيس في الولايات المتحدة أن يحقق قناعاته السياسية.. عليه أن ينصاع للمؤسسات وجماعات الضغط.. وجماعات الضغط لم تتغير وأجندات المؤسسات لم تتغير.. وبالتالي.. لن يأتي رئيس في المستقبل القريب ليحدث تغييرا جديا وجذريا فيما يتعلق بسياسات الولايات المتحدة.

ما هي الرسالة التي تود أن تبعثها إلى حكومات وشعوب أميركا اللاتينية وحوض الكاريبي.. وأيضا حول أهمية دعم الشعب الأميركي لسوريا ضد الإرهاب ؟

أميركا اللاتينية مثال جيد ومهم جدا للعالم حول كيفية استعادة الشعوب والحكومات استقلالها.. إنها تشكل الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.. كما تراها الأخيرة.. لكن الولايات المتحدة استعملت هذه الحديقة لممارسة ألعابها ولتنفيذ أجندتها الخاصة.. وقد ضحت شعوب أميركا اللاتينية بالكثير من أجل استعادة استقلالها.. والجميع يعرف ذلك.. بعد استعادة تلك البلدان استقلالها تحولت من بلدان نامية أو بلدان غير متطورة أحيانا إلى بلدان متطورة.. إذا.. فالاستقلال أمر مهم جدا وعزيز على كل مواطن في أميركا اللاتينية.. نعتقد أنهم ينبغي أن يحافظوا على هذا الاستقلال لأن الولايات المتحدة لن تتوقف عن محاولة الإطاحة بكل حكومة مستقلة.. كل حكومة تعكس الأغلبية الساحقة للشعب في كل بلد في أميركا اللاتينية.. مرة أخرى فإن كوبا تعرف هذا.. وتعرف ما أتحدث عنه أكثر من أي بلد آخر في العالم.. لقد عانيتم أكثر من أي بلد آخر من المحاولات الأميركية.. وقد نجحتم في مواجهة كل هذه المحاولات خلال ستين سنة أو أكثر لمجرد أن حكومتكم تمثل الشعب الكوبي.. ولهذا.. فإن التمسك بقوة بهذا الاستقلال أمر حاسم.. في اعتقادي.. وهو الشيء الأكثر أهمية لمستقبل أميركا اللاتينية.. فيما يتعلق بسوريا.. نستطيع القول بأن سوريا تدفع ثمن استقلالها لأننا لم نعمل في أي يوم من الأيام ضد الولايات المتحدة ولا ضد فرنسا أو بريطانيا.. إننا نحاول دائما بناء علاقات جيدة مع الغرب.. لكن مشكلتهم هي أنهم لا يقبلون أي بلد مستقل.. وأعتقد أن هذا هو الحال مع كوبا.. إنكم لم تحاولوا أبدا إلحاق الأذى بالشعب الأميركي.. لكنهم لا يقبلونكم كبلد مستقل.. وينطبق الأمر نفسه على البلدان الأخرى في أميركا اللاتينية.. ولهذا السبب كانت لديكم دائما انقلابات خصوصا بين الستينيات والسبعينيات.. ولهذا.. أعتقد أن المحافظة على استقلال بلد معين ليس حالة منعزلة.. إذا أردت أن أكون مستقلا.. ينبغي أن أدعم الاستقلال في سائر أنحاء العالم لأن الاستقلال في أي مكان من العالم بما في ذلك في أميركا اللاتينية سيدعم استقلالنا.. إذا كنت وحيدا.. فسأكون ضعيفا.. إن دعم سوريا سيكون بشكل رئيسي على الساحة الدولية.. هناك العديد من المنظمات الدولية.. خصوصا الأمم المتحدة.. رغم انعدام حيلتها.. لكن في المحصلة.. فإن دعم هذه المنظمات يمكن أن يلعب دورا حيويا في دعم سوريا.. وهناك بالطبع مجلس الأمن.. وهذا يعتمد على الأعضاء غير الدائمين في المجلس.. إن دعم أي منظمة أخرى ل سيكون مهماً جداً.

 



loader
 
قـلوبنا معك غـزة