قريباً: لن يصبح التحكم بالطقس شيئاً من الخيال العلمي

 

 

قريباً لن يصبح التحكم بالطقس شيئاً من الخيال العلمي، بل هو ضرورة لتطور حضارتنا البشرية ولتمكننا من السيطرة على مصادر كوكبنا بشكلٍ كامل، لكن كيف سيكون ذلك؟
ربما قد يبدو لك التالي من صفحات كتاب خيال علميّ، أو رواية جديدة لكاتب ذي خيال خصب، لكن تخيّل معي وزير الجو والطقس في دولة ما، يتصل ويوقع طلباً يقضي بهطول الأمطار في مدينة معينّة بعد ثلاث أسابيع، لضمان نمو المحصول بشكلٍ جيّد. خيال كبير، صحيح؟ ربما اليوم، لكن ليس غداً.


البداية في نيويورك


في عام 1946، قام الكيميائيان إرفينج لانغيمور وفينسينت شافر، في أحد مخابر شركة جنرال إلكتريك في نيويورك، باكتشاف طريقةٍ جديدةٍ، استطاعا بواسطتها إضافة بلورات ثلجية إلى السحاب الموجود بحالة التبريد الفائق (الفائق أو فرط التبريد: هو وصول سائل أو غاز إلى درجة حرارة أقل من درجة حرارة التجمد دون التحول للحالة الصلبة)، وسمّوا هذه الطريقة بالاستمطار CLOUD SEEDING، ثم استعان العالمان بعالم كيمياء فيزيائية، العالم برنارد فونجوت.
قام فونجوت بالبحث عن مواد بلو

رية تقوم بنفس تأثير البلورات الثلجية على السحاب، فاكتشف أنّ يوديد الفضة يملك التأثير نفسه، أيّ أن بلورات يوديد الفضة تستطيع أنّ تنفذ إلى قطرات المياه في السحاب، وتجمدها، وعندما يزداد حجمها إلى حد معيّن تبدأ هذه القطرات بالتساقط بشكلٍ ثلجٍ أو إن كان الهواء أكثر دفئاً، تمطر السحاب بغزارة.


بعد ثلاثين عاماً، بدء العلماء بتطبيق الطريقة التي طوّرها العباقرة الثلاثة، فطوروا طيارات تقوم بالطيران إلى السحاب ونثر يوديد الفضة على السحاب، أو رمي قذائف يوديد الفضة على السحاب بهدف واحد فقط، الحصول على المطر. في معظم الأحيان تستخدم هذه الطريقة للاستمطار في المناطق التي تعاني من الجفاف، ولكن مع تطوّر التقنية استطعنا استخدامها لمنع تشكل حبّات البرد الكبيرة، وفي أحيان أخرى لمنع تشكل الضباب حول المطارات لحماية حركة الطيران.


حتى الآن لم نستطع للأسف استغلال هذه التقنية وفهمها بشكلٍ كامل، ولكن لن نيأس أبداً من الوصول إلى المستوى الأفضل في هذا المجال، فهذه الطريقة ستحلّ كثيراً من مشاكل الجفاف ومشاكل الدول النامية المعتمدة على الزراعة، وتلك الصحراوية التي تشكو وتعاني من نقص حادٍ في الماء.


في بعض التجارب في جنوب إفريقيا والمكسيك تم إضافة جزيئات "الملح" إلى جانب يوديد الفضة، مما ساعد في تحسين النتائج، كما أنّ السحاب الممطر ذو الحرارة الأعلى يعطي نتائج أفضل من تلك الباردة.


إيقاف العواصف


هذا بالنسبة للاستمطار، لكن هل يمكننا إيقاف الأعاصير الخطيرة؟ بعض العلماء يعتقد أنّ هذا الأمر واقعيّ، فقد أظهرت النموذجات الحاسوبية للأعاصيرالكبيرة مثل عاصفة أندرو 1992، أنّ بعض التغييرات البسيطة تستطيع إيقاف العواصف الكبيرة ومنعها من تحقيق الدمار الكبير، وذلك يعتمد على نظرية الفوضى المعروفة، والتي تقول إنّ تغيراً بسيطاً في نظامٍ معقد سيؤدي لتغييرات كبيرة في المستقبل وفي نتائج أي حدث يجري في هذا النظام المعقد.


بل يذهب البعض إلى نقطةٍ أبعد من ذلك، هل يمكننا منع العواصف من التشكل؟ بتغيير عاملٍ أو عاملين يستطيع العلماء إيقاف عاصفةٍ من التحول إلى وحش ملتهم كبير، وذلك على سبيل المثال بجعل طبقةٍ سطحية من زيت قابل للتحلل تطفو على سطح المحيط، مما يمنع العواصف التي تأتي من جهته من التحول لأعاصير كبيرة، بل نظرياً يؤدي إلى تقليل التبخر وبالتالي منع أحد أسباب تشكل هذه الأعصاير.


الإمارات تبني جبلاً


تملك دولة الإمارات خبرةً كبيرةً في الاستمطار وتطعيم السحاب، فقد قامت الدولة بتنسيق 186 مهمة خلال 2015، وذلك بتكلفةٍ وصلت إلى أكثر من نصف مليون دولار، والتي أدت إلى نجاح هائل ونزول مستمر للأمطار في شهر مارس في السنة نفسها. لكن لتسهيل هذه العملية والحصول على نتائج أفضل، تقوم الإمارات بدراسة بناء جبل اصطناعي.


تلعب الجبال دوراً هاماً في عملية نزول المطر، فهي تدفع الهواء الرطب للارتفاع، ومن ثم يبرد ويتكثف ويصبح سائلاً، ويهطل بشكل أمطار، أيّ أنّ الجبال تؤدي لرفع الهواء وتشكيل السحاب بشكلٍ أكبر، والسماح بتطعيم هذه السحب. وتشترك الشركة الجامعية لأبحاث الغلاف الجوي UCAR في الولايات المتحدة مع دولة الإمارات في المشاورات لبناء هذا الجبل الاصطناعي، وتدرس الإمارات النماذج المختلفة والاحتمالات لبناء هذا الجبل. فالخطوة الأولى هي معرفة الشكل الأفضل لبناء مثل هذا الجبل، ومعرفة الارتفاع اللازم وشكل الانحدارات التي يجب أن يتخذها، وقد وصل التمويل الأولي لهذا المشروع إلى 400,000 دولار.


وقد نشر موقع شبكة «ديسكفري» الخبر وقال إنه في حالة نجاح هذا المشروع الضخم، فسوف تتضاءل أمامه جميع المشاريع الرائدة الأخرى، لأنه للمرة الأولى سيتمكن الإنسان من تشييد مجسم يمكن من خلاله تغيير أنماط الطقس وزيادة هطول الأمطار.


ولن يؤثر هذا المشروع على مناخ الإمارات فحسب، بل سيمتد تأثيره ليصل إلى المناخ العالمي، ويغير حركة الرياح العالمية، ويغير من نمط وتأثير الرياح والأمطار العالمية كلها، لذلك ربما تستمر الدراسات مدةً طويلةً قبل بناء الجبل الجالب للأمطار.


وعندما نحقق هذه الخطوة سنكون قد وصلنا إلى جزء مهمٍ وربما أساسي من التحكم بالطقس، والانتقال بحضارتنا من الحضارة صفر إلى الحضارة واحد على سلم كاردشيف، ومن يدري، ربما يكون ذلك أقرب مما نتصور!



loader
 
قـلوبنا معك غـزة